التوقيت الإثنين، 23 ديسمبر 2024
التوقيت 06:34 ص , بتوقيت القاهرة

"زينة".. جاءت الشوام بالأبيض لتلبسهم الأسود

بعد "نانسي" و"ميشا" و"كاتسي"، استعد اللبنانيون لاستقبال ضيفتهم الجديدة التي أطلقوا عليها اسم "زينة"، غير أنها لم تكن فتاة جميلة حلت على لبنان بثوبها الأبيض، وإنما عاصفة عاتية حملت على جناحيها رعدا وبرقا ومطرا وثلجا، فكانت مأساة على رؤوس من نزحوا لهذا البلد من السوريين الذين هربوا من نار الصراع في وطنهم، ليقتلهم برد العاصفة، أما الناجون فقد صار الأسود ملبسهم حدادا على فراق أحبتهم.


عمار أحمد كمال (35 عاما)، ومحمد أبو ضاهر (41 عاما)، وماجد خير البدوي (6 سنوات)، حاصرتهم الثلوج أمس الأربعاء، في مرتفعات جبل الشيخ بجنوب شرق لبنان، بعدما غادروا بلدتهم بيت جن في سوريا، قاصدين بلدة شبعا اللبنانية عبر هذه المرتفعات في ظل حرارة متدنية تراوحت ما بين 5 و8 تحت الصفر، فأردتهم قتلى، بينما نجا نازح رابع كان برفقتهم.


ولم يكن ذلك هو الحادث الأول، فقد سبق وأن قضت الطفلة النازحة هبة عبد الغني (10 سنوات)، نحبها في أحد مخيمات عرسال، فيما أدخل عشرات الأطفال السوريين إلى مستشفيات البقاع نتيجة معاناتهم من نزلات برد حادة.


وتراكمت الثلوج في معظم مدن وبلدات دول شرق المتوسط مع اشتداد حدة العاصفة الجوية، التي أطلق عليها في الأردن وفلسطين "هدى" في حين سماها اللبنانيون "زينة"، والتي تضرب تلك البلدان، منذ أول أمس، الثلاثاء، مما تسبب في قطع طرقات وشل الحياة وسط تدني درجات الحرارة وتزايد سرعة الرياح، فيما عمقت جراح ومعاناة اللاجئين والنازحين السوريين، والفلسطينيين الذين فقدوا منازلهم في غزة.



لبنان بالأبيض


العاصفة "زينة" ألبست بلدات لبنان ثوبا أبيض من الثلج، على ارتفاع 600 متر وما فوق، فأغلقت معظم الطرقات، كما تكونت طبقة من الجليد على الطرقات الجبلية، وسجلت سرعة كبيرة للرياح وتدن كبير في درجات الحرارة.


وضربت رياح قوية ساحل بيروت واجتاحت الزوابع والسيول مناطق ساحلية أخرى، مما دفع السلطات الحكومية إلى إقفال المدارس والجامعات وتعليق جزئي لحركة الملاحة الجوية في مطار رفيق الحريري الدولي.


اللاجئون محاصرون


وحاصرت الثلوج في البقاع شرقي لبنان آلاف السوريين الذين يعيشون في خيام وملاجئ مؤقتة وسط تدني درجات الحرارة وقلة وسائل التدفئة، الأمر الذي زاد من معاناة اللاجئين، وقد تم تسجيل 4 حالات وفاة بينهم حتى الآن.



وغطت الثلوج نحو 40 خيمة في مجدليون قرب مدينة بعلبك في مخيم يقع ضمن منطقة تسببت العاصفة بقطع المواصلات عنها، كما اجتاحت السيول خيام اللاجئين السوريين في بلدتي الشيخ عباس والسماقية في عكار.


الأردن معطل


وفي الأردن، أدى تراكم الثلوج على الطرقات إلى تعطل حركة المواصلات بين المدن الرئيسية، اليوم الخميس، وحدوث انقطاعات عديدة في شبكات الكهرباء والماء والهاتف بالمناطق الوسطى والشمالية في البلاد.


ولليوم الثاني على التوالي، استمر توقف العمل في الوزارات والدوائر والمؤسسات العامة والجامعات.


من جهة ثانية، قررت شركة الخطوط الجوية الأردنية إلغاء عدد من رحلاتها المغادرة من مطار عمان الدولي والقادمة إليه اليوم وغدا، وذلك في ضوء الظروف الجوية السائدة.


فيما غطت الثلوج مخيم الزعتري للاجئين السوريين وتسببت العواصف بانقطاع التيار الكهربائي، الأمر الذي ضاعف معاناة مئات العائلات التي اشتكت من "نقص في وسائل التدفئة والأغطية".



سوريا تعاني


أما في سوريا، فقد زادت العاصفة الثلجية وتدني درجات الحرارة والأمطار الغزيرة من هموم السوريين الذين يعانون من ضائقة مادية بسبب النزاع المسلح المستمر منذ أكثر من 3 سنوات، والذي تسبب بنزوح الملايين عن منازلهم.



وغطت الثلوج مناطق متفرقة من سوريا، ومن بينها جبل قاسيون الذي يطل على العاصمة دمشق، حيث تعطلت حركة المرور، ما دفع وزارة التربية والتعليم إلى إغلاق المدارس والجامعات لمدة يومين، وفقا لوكالة الأنباء السورية.


وتضرر عدد من المخيمات السورية بشكل كبير جراء العاصفة؛ حيث ملأت الأمطار معظم الخيام في مخيمات ريف حماة الشمالي، الإحساس1، إحساس2، الأمانة، واهتراء الخيام تسبب بدخول الأمطار إليها، فيما غرق عدد كبير من مخيمات اللاجئين على الحدود السورية- التركية، وخاصة تجمع مخيمات الكرامة وبعض خيام تجمع أطمة.


فلسطين تتألم


وفي السياق ذاته، أعلنت الحكومة وسلطة النقد الفلسطينيتين، عن تعطيل العمل الرسمي للهيئات والمؤسسات التابعة لهما لليوم الخميس، بسبب العاصفة الثلجية "هدى" التي ضربت البلاد منذ صباح أمس الأربعاء، وسط توقعات رسمية، باشتداد العاصفة مساء اليوم وغدا الجمعة.



ولليوم الثاني على التوالي، واصلت الشرطة الفلسطينية، إغلاق مداخل المدن الرئيسية في الضفة الغربية، حتى تتمكن طواقم الدفاع المدني والشرطة من فتح الشوارع المغلقة بفعل تراكم الثلوج، ولتسهيل عمل سيارات الإسعاف داخل المدن.


وأصابت تداعيات العاصفة الفلسطينيين الذين فقدوا منازلهم في قطاع غزة، في الهجوم الإسرائيلي الأخير على القطاع، والذي تسبب بدمار هائل، مهددة بتعميق معاناتهم؛ حيث تتناثر ركام المباني في الشوارع، بينما يعيش آلاف في أماكن إيواء تابعة للأمم المتحدة وسط انقطاع الكهرباء لفترات طويلة، مما يدفع الكثير من المواطنين لاستخدام الشموع للإنارة وإشعال الحطب للتدفئة .



والعراق أيضا


ولم تقتصر المعاناة على السوريين والفلسطينيين، إذ وجه الصليب الأحمر نداء عاجلا لمساعدة نصف مليون عراقي، نزحوا داخل بلادهم بسبب أعمال العنف التي اندلعت عقب سيطرة تنظيم الدولة على مناطق واسعة من البلاد.