التوقيت الثلاثاء، 05 نوفمبر 2024
التوقيت 12:40 م , بتوقيت القاهرة

حوار حزب الله والمستقبل: القرار وليس الحوار

جولة الحوار الثانية في لبنان بين تيار المستقبل وحزب الله مطلع الأسبوع الجاري، سبقتها حزمة تصريحات لمسؤولين معلنين ومغفلين في حزب الله توضح المُقاربة الثابتة للحزب تجاه الحوار وعناوينه وانتظاراته. فالحلول "واضحة" بحسب نائب أمين عام حزب الله الشيخ نعيم قاسم، والمطلوب فقط "أن نقبل بالحل اليوم بدلا من أن نقبله هو نفسه بعد سنة أو سنتين". 
والوضوح هنا يعني عمليًا الدعوة إلى البصم على أجندة حزب الله أكان في العناوين التي يفترض أن يطولها الحوار، كإنهاء الفراغ في سُدّة رئاسة الجمهورية، أو تلك التي لن يطولها الحوار كمثل المحكمة الدولية وسلاح حزب الله بشقيه الداخلي والسوري، باعتبارها نقاط خلافية. 
والحزب، بحسب مسؤوليه، لا يخاف من حوار لا يُقارب ما يسميه "العناوين والثوابت الاستراتيجية"، أي العناوين التي تُشكل أصل الاشتباك بينه وبين قوى سياسية لبنانية كبيرة، وإن كان تيار المستقبل أكبرها والأكثر اصطدامًا بها. ما يعني أنه يسعى إلى حوار يُنتج مناخات "تهدئة وتعايش" تحمي هذه العناوين والثوابت الاستراتيجية ولا تشوش عليها بالاشتباك السياسي والإعلامي، كما تؤّمن حدًا أدنى من السلم الأهلي البارد الذي يريح هذه العناوين في ذروة انخراطه في الحروب الأهلية العربية في سوريا والعراق واليمن وغيرها. على الأقل هذا ما يبدو حزب الله ساعيًا إليه بصرف النظر إن كان سيمنح هذا المنال.  
 أما كيف سيقبل الفريق الآخر "بالحلول الواضحة" بعد سنة أو سنتين وهي نفسها التي يرفضها الآن، بحسب تصريح قاسم، فهو ما تكشفه تصريحات أخرى لمسؤولين قياديين في الحزب تحدثوا في الإعلام بصفة المصادر القيادية عشية الجولة الثانية من الحوار. 
فيرى هؤلاء أن السبب الذي دفع تيار المستقبل إلى ولوج باب الحوار والجلوس إلى طاولته هو خوف المملكة العربية السعودية من أن يحاول "داعش" التسلل إلى الداخل اللبناني فيودي بالاستقرار النسبي، "خصوصا إذا ما اضطرت قوى محلية مثل "حزب الله" إلى أن تخرج عن خطوط معينة رسمتها لنفسها وترد على تحديات داخلية تقوم بوجهها. أي، بكلام صريح، خشية أن يضطر حزب الله إلى عمليات جراحية أمنية وعسكرية جديدة في الداخل تحصينا لبيئة المعركة مع داعش. أي أن حزب الله لم ولن يسقط ورقة استخدام السلاح في الداخل، كلما رأى أن الظروف تسمح له أو تفرض عليه هذا الاستخدام لتعديل موازين القوى وفرض المعادلات التي يصعب فرضها بالمنطق السياسي. 
يذكر كلام قاسم بكلام مشابه لأمين عام حزب الله حسن نصر الله، قبل تشكيل الحكومة برئاسة الرئيس تمام سلام. يومها قال نصر الله إن على الفريق الآخر القبول بقسمة الحقائب بين محور المقاومة وخصومه والوسطيين وفق معادلة "9 + 9 + 6" على التوالي، طالما أنها معروضة الآن لأنه في حال تغيير الأمور (مراهنا على الميدان السوري)، فقد لا يقبل الحزب حتى بالشراكة وفق هذه المعادلة الكريمة. 
ثم ما لبث أن تراجع نصر الله خلال أسبوع من كلامه العالي إلى صيغة أقل بكثير مما قال إنه الحد الأدنى الذي يقبل به، وبالتالي ليس بالضرورة أن يملك حزب الله الأدوات المترجمة لموقفه السياسي أو التهويلي، لكن هذا وحده لا يكفي للاطمئنان أن الحوار مع حزب الله ليس مقدمة لحفلة جنون جديدة، لا سيما أن الدعاية الإعلامية والسياسية لحزب تنفخ هذا الحوار وضرورته كثيرًا، وتُعلي سقف الرهانات عليه حتى إذا ما تعثر، وهو الأرجح، فلا يتحمل حزب الله مسؤولية التعثر، بل الفريق الآخر الذي يقدم بوصفه جاء إلى الحوار صاغرًا وبوصفه منقسما على نفسه حيال أصل فكرة الحوار مع حزب الله. 
ورغم كل ذلك يمتلك حزب الله (والمستقبل بدرجة أقل) شجاعة النفاق في أن حوارًا على هذه الشاكلة توكل إليه مهمة تنفيس الاحتقان السُني الشيعي!! وكأن هذا الاحتقان هو وليد تعثر العلاقة الشخصية بين حسن نصر الله وسعد الحريري وليس وليد العناوين والثوابت الاستراتيجية لحزب الله الواقعة حاليا خارج أجندة الحوار!! فكيف يعالج احتقان لا تعالج أسبابه؟
فرص هذا الحوار ضعيفة جدًا لأننا في الواقع لسنا أمام حوار بالمعنى الفعلي للكلمة، بل أمام جلوس طرفين يختلفان على كل شيء، ويرتبطان ارتباطًا عضويًا بقطبي الاشتباك الكبير في المنطقة، وهما في لحظة ذروة اصطدامهما كما يدل، على سبيل المثال لا الحصر، هجوم الرياض لخفض سعر النفط بغية تجويع طهران. ورغم كل ذلك يسعى الطرفان  للخروج من الحوار بقرارٍ سياسي حول ملف واحد ومتفرعاته وهو رئاسة الجمهورية يليه قانون الانتخاب والحكومة.  
وعليه لن تطول الجلسات أبعد من ثلاث أو أربع بالكثير، لأن المسألة لا ترتبط بالإقناع والمحاججة بقدر ما ترتبط بامتلاك القرار السياسي. هل ينزع حزب الله فتيل تفجير النظام السياسي اللبناني بفتح الباب أمام انتخاب رئيس للجمهورية غير مرشحه النائب ميشال عون أم يستمر في التمترس خلفه، فاتحا الباب أمام تحلل بقية هيكل الدولة اللبنانية بعد سقوط حكومة تمام السلام الحالية التي لن تقوى على الصمود في وجه الاستعصاء الراهن؟ هذا هو السؤال الحقيقي على حوار حزب الله- المستقبل. وهو سؤال مرة أخرى لا يحتاج إلى حوار بل إلى قرار.