فاينانشيال تايمز: اقتصاد داعش أشبه بالمافيا
من الوهلة الأولى تبدو الموصل -ثاني أكبر مدينة في العراق- نموذجا ناجحا حتى بعد وقوعها تحت سيطرة داعش، حيث امتلأت أسواقها بالمشترين وازدانت مقاهيها بالأضواء، وامتلأت بالساهرين من السكان، ولكن تلك الصورة المشرقة لم تكن سوى واجهة تخفي خلفها انتشار أكوام القمامة في الحواري والشوارع الضيقة التي لا تنطفئ فيها الأضواء فقط لأن السكان هم الذين يغذون مولدات الطاقة بأنفسهم، بينما يكتم السكان بداخلهم شعور الضجر من الحياة تحت رحمة داعش، حسبما ذكرت صحيفة "فينانشيال تايمز" البريطانية في تقرير لها عن الاقتصاد الداعشي.
ونقلت الصحيفة عن أبو أحمد، وهو أربعيني من سكان الموصل قوله: "منذ أن كنت صغيراً لم تتوقف الحروب، فشهدت حرب إيران ورأيت العقوبات الدولية والفقر والظلم ولكن كل هذا لا يقارن بما نحن فيه الآن".
ويقول التقرير إن أبو أحمد رحب بداعش في بداية الأمر نظراً لما يعانيه السنة في الموصل تحت حكم المالكي "الشيعي"، ولم يبال كغيره من أنصار داعش بما تفعله من رجم وذبح وحتى الضربات الأمريكية التي جلبها وجود داعش في الموصل، لكن الاقتصاد بالنسبة لأبي أحمد وغيره من السكان يعد خطاً أحمر لم تتمكن داعش من مراعاته والحفاظ عليه.
ويوضح أبو أحمد قائلاً: "مقارنة بالأنظمة السابقة فإن داعش أسهل في التعامل معه، وطالما لا يثير أحد غضبه سيتركوك وشأنك، وإذا تمكنوا من تقديم خدمات جيدة فإن الناس سوف يساندونهم حتى أخر نفس".
ولكن الواقع حسبما يقول التقرير لا يشير سوى إلى اتجاه واحد وهو أنه كلما حاول داعش فرض سيطرته وإقامة "دولة" في المكان الذي يستولى عليه فإنه يتسبب في شلل الأجهزة والهيئات الإدارية العاملة في هذا المكان ليحل محلها الابتزاز والانتهازية.
فيما يقول كيرك سوفيل رئيس جمعية أوتيسينسي للإغاثة: "في الرقة ودير الزور بسوريا قد يكون هناك ما يصلح وصفه بأجهزة تنفيذية إدارية عاملة، لكن الأمر في العراق مختلفا تماماً، فلا يوجد أي شئ يصلح وصفه بالدولة فما يحدث أشبه بالمافيا، ربما منذ 6 شهور كان يخالجهم اعتقاد أنهم قادرون على إدارة الأمور بصورة منظمة لكنهم لا يمتلكون العامل البشري ولا العقلية الإدارية".
ويشير التقرير إلى أن القيود التي يضعها وصعوبة تقصي الإعلام لحقائق مفصلة عنه وعن نظامه الإداري، إلا أن الظاهر أن "دولة الخلافة" ليس لها وجود على أرض الواقع على الأقل من الناحية الاقتصادية، فالمسافر بين الرقة والموصل عليه استخدام ثلاث أنواع من العملات، الدينار العراقي والدولار والليرة السورية.
هذا بالإضافة إلى المعاناة التي يعيشها السوريون تحت سيطرة داعش، فتضاعفت الأسعار حيث وصل سعر الخبز إلى الضعف وانخفضت الرواتب والأجور، فيما يحصل مقاتلو داعش على خمس أضعاف ما يحصل عليه المواطن السوري في الرقة ودير الزور، كما أن داعش لا يمانع من أن ينسب لنفسه إقامة مشروعات كانت قائمة بالفعل قبل دخوله الموصل والرقة.
لكن البعض يرى في سياسات داعش الاقتصادية جانباً إيجابياً مقارنة بنظام الأسد، فداعش يسمح بحرية الحركة عبر المناطق الخاضعة لسيطرته من أجل تسهيل التبادل التجاري، كما أن الشاحنات القادمة من العراق تدفع 10% من حمولتها كجمارك، حيث ينظر رجال الأعمال الأكراد إلى تلك المعاملة على أن داعش يرغب في الظهور "بمظهر ودي داعم للتبادل التجاري"، كما أن إنشاء الشركات تحت نظام داعش أسهل بكثير من نظام الأسد، فلا توجد مصاريف إدارية ولكن يتعين عليهم دفع 2.5% من الأرباح كل عام.
ولكن الأمر مختلف بالنسبة للإنسان العادي، ففي محافظة دير الزور التي تحتوي على معظم حقول النفط في سوريا، يشكو السكان من استيلاء داعش على النفط، فحسبما يقول أحد المهندسين ساخراً: "إذا لم يستولوا على النفط فإنهم يجبرونك على دفع ما يعادله من ضرائب"، حيث يستولى داعش على 40 ألف برميل يومياً وهو ما يجعلهم أغنى جماعة إرهابية في العالم، وتصل أرباحهم من البترول إلى مليون دولار في اليوم، بالإضافة إلى السوق السوداء التي يسيطرون عليها.
ويقول باسم وهو عامل بمستشفى في دير الزور إنه عند اندلاع الحرب الأهلية في شرقي سوريا كانت المنطقة تنعم برخاء لم تشهده من قبل، حيث سيطر السكان على حقول البترول وعوائده على العكس مما كان الحال عليه في وقت سيطرة نظام الأسد الذي كان يستولى على أرباح النفط في المنطقة.
ويضيف باسم بأنه في ذلك الوقت بدأ الناس يركبون السيارات الفارهة ويبنون المنازل الفخمة ويقيمون المحال الكبيرة، ولكن عند دخول داعش تغيرت الأمور فحسبما يقول موضحاً: "لا يوجد شئ لديهم اسمه إدارة اقتصادية فهناك فقط أناس يأخذون النفط ويقسمونه بين أمرائهم ويصدرونه إلى الخارج، إلى أين؟ لا نعرف، جزء ضئيل فقط يتبقى للسكان هنا".
ويقول باسم الذي كان يشعر بالتضامن مع داعش بحكم أنه من أصحاب التوجه السلفي "قد أكون سلفياً ولكني لست أحمقاً."
ويشير التقرير إلى أن الغضب تجاه فشل داعش في إدارة الشؤون الاقتصادية في الرقة ودير الزور يتصاعد حيث يروي السكان في الرقة ما حدث مع صاحب محل لتصليح السيارات، عندما جاء مقاتلو داعش لتحصيل الضرائب منه فصاح فيهم غاضباً "كيف تجرؤون على تحصيل ضرائب نظير خدمة لا نراها سوى ساعات قلائل"، وفي حادثة أخرى في مدينة الميادين روى ناشط كيف أن السكان هناك ضاقوا ذرعاً بداعش وأساليبها القاصرة حينما طالبهم إمام المسجد في خطبة الجمعة بالدعاء لأبوبكر البغدادي فرد أحد المصلين بصوت مسموع "لعنة الله عليه".