التوقيت الثلاثاء، 05 نوفمبر 2024
التوقيت 02:38 م , بتوقيت القاهرة

تجديد الخطاب الديني.. الواقع المسكوت عنه

أثارت كلمة الرئيس عبدالفتاح السيسي، في احتفال الأوقاف بذكرى المولد النبوي، حراكا في الماء الراكد خصوصا بعد مطالبته بثورة في التجديد الديني،  بما يمثل إعادة طرح قضية تجديد الخطاب الديني، الذي تم السكوت عنه عقب تصدر الإسلاميين المشهد السياسي.. فقد تراجعت أصوات المثقفين المطالبة بالتجديد الفقهي أو تطوير الخطاب.


المرة الأولى التي طرحت فيها قضية التجديد الفقهي جاءت عقب التطور الطبي وظهور زراعة  الأعضاء وبنوك الدم، والحمل بطريق الأنابيب والتناسخ وتغيير الجنس، والتطورات الاقتصادية: كأسهم الشركات، وبطاقات الائتمان، والتعاونيات، والضمان، والبورصة، وبراءات الاختراع.


عقب ظهور تلك القضايا المستحدثة بدأ الفقهاء المجددون يبحثون أساليب تجديد الفقه الإسلامي، ووقتها ظهر عدد من المصنفات أبرزها ما كتبه الشيخ محمد الغزالي بعنوان "السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث"، الذي أثار جدلا شديدا نتيجة تحطيمه للتوابيت الفكرية التي ظن الكثيرون حرمة الاقتراب منها.


وتشكلت 5 مذاهب في التجديد الفقهي، أولها: الطريقة السلفية، التي تمثل الدعوة بأهمية العودة إلى فقه السلف من صحابة وتابعين والتخلي عن فقه المذاهب، وأبرز مراجعهم في ذلك المؤلف الذي كتبه، الدكتور المرحوم محمد يوسف موسى بعنوان "تاريخ الفقه الإسلامي.. دعوة قوية لتجديده بالرجوع لمصادره الأولى"، وكتاب "معجم فقه السلف" للشيخ  محمد المنتصر الكتاني.


في المقابل ظهرت الطريقة الانتقائية، التي دعت للتجديد بصورة  تقوم على اختيار بعض الأحكام وإهمال بعضها الآخر، ثم ظهرت طريقة تقوم على معاداة الفقه الإسلامي برمته، والتخلي عن الثروة الفقهية الخصبة التي اعترف بها كبار الحقوقيين ورجال القانون في العالم المعاصر، ومن منهجهم جعل النص الشرعي آخر المطاف، للاستئناس احتياطيا.


المذهب الرابع هو الطريقة التقريبية - أي تقريب الفقه من القانون الوضعي، وهؤلاء يحاولون تأويل النصوص الشرعية بما يتماشى مع المستجدات الفقهية، لكن ثبت فشل هذا المذهب لأن القانون الوضعي يقر واقع العلاقات الاجتماعية لتحقيق الاستقرار بغض النظر عن الدين والأخلاق.


المذهب الخامس هو تجديد الفقه بصورة معتدلة مقبولة شرعا وعقلا، وهذه الطريقة تحافظ على ثوابت  الشريعة، وتراعي مقتضيات التطور على أساس  المصالح المرسلة بما فيها الأعراف  العامة، عملا بروح النص.


وعقب يقين الجميع بأهمية التجديد للخطاب الديني برز على السطح مشكلة البحث في القواعد القابلة للتجديد الخاضعة لتغير الفتوى بتغير الزمان والمكان انسجاما مع مبدأ المرونة، والأصول الثابتة للأحكام المقررة بالنصوص الشرعية بأنها الأحكام الأساسية المتعلقة بأصول الشريعة كالصلاة، والصيام، والحج، والزكاة، وأحكام الأسرة، ونظام الإرث، والجنايات.


واستمر الوضع على حاله بالخوف من المساس بالثوابت الدينية، لكن المستجدت ظهرت في المعاملات والعبادات، واقتحم غير الأزهريين مجال التجديد وتبسيط الخطاب الديني، وأخذوا المبادرة من علماء الأزهر، وأسهموا في جذب الكثير من الشباب لمنهجهم ولغتهم البسيطة البعيدة عن تعقيدات المصطلحات التراثية.


وبسبب ضعف المنهجية عند الدعاة الجدد المشاهير، ظهرت دون إنذار طوائف شبابية تعلن على الملأ بتبنيها نظريات العلمانية، والإلحاد، واستغلوا الحالة الثورية التي تعيشها مصر، وفي المقابل فتح الأزهريون أعينهم على واقع مرير بهجرة الالآف من الطلاب بالأزهر إلى التعليم العام بسبب المناهج المستعصية على الفهم، واستيقظ مسؤولو الأزهر بعد وقت طويل على ضرورة تطوير مناهجهم لمكافحة الإلحاد، والسؤال: هل لا يزال الوقت ممكنا لتصحيح الأزهر أوضاع الفكر الديني بمصر أم أن الوقت قد داهمه؟