معجزات ذاتية قد لا تعرفها عن النبي
يعرف الكثير منا المعجزات المادية للرسول، التي كان منها تسبيح الحصى وانشقاق القمر وغيرها، والمعجزة المعنوية للنبي وهي القرآن الكريم، لكن ماذا عن معجزة النبي، صلى الله عليه وسلم، الذاتية.
جاء في كتاب السيرة النبوية لأبي العزائم أن المعجزة الذاتية هي المعجزة الخاصة بذاته والمنبثقة منه، وهي لم تعط لرسول أو نبي سابق، فذات المصطفى معجزة عظمى منظورة، وإليك بعض دلائل هذه المعجزة.
من الإعجاز في خلق المصطفى ومغايرته للبشرية أنه كان إذا مشى على الصخر يؤثر فيه، كما جاء في السيرة الشامية، وإذا مشى على الرمل لا يؤثر فيه، إظهارا لإعجازه الذاتي المخالف للناس جميعا.
ويذكر الإمامان البخاري ومسلم، في صحيحيهما، أن النبي وقف ليصلي بالناس في مسجده، وكان ينظر إلى القبلة، وقبل الدخول في الصلاة نادى على بعض المصلين في الصفوف الخلفية آمرا إياهم بالاعتدال في الصف، وبعد الصلاة سأله الصحابة: يا رسول الله إنك لم تنظر إلينا ونظرك للقبلة فكيف رأيت اعوجاج الصفوف؟ فقال النبي: "أنا لست كهيئتكم إني أرى من خلفي كما أرى من أمامي.
واستوى عنده القريب والبعيد، فقد روى مسلم في صحيحه قوله "إِنَّ اللهَ زَوَى لِي الأَرْضَ فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا وَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِىَ لِي مِنْهَا"، وكذلك استوى عنده الماضي والحاضر والمستقبل، فقد روى البخاري في صحيحه قال سيدنا عمر: "قام فينا النبي مقامًا فأخبرنا عن بدء الخلق حتى دخل أهل الجنة منازلهم وأهل النار منازلهم حفظ ذلك من حفظه ونسيه من نسيه".
وكذلك استوى عدنه الملك والملكوت، فقد روى الإمام أحمد في مسنده أن النبي قال: (إِنّي أَرَى مَا لا تَرَوْنَ، وَأَسْمَعُ مَا لاَ تَسْمَعُونَ، أَطَّتِ السَّمَاءُ وَحقَّ لها أن تَئِطَّ، ما فيها موضعُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ إلا عليه ملكٌ ساجدٌ، لو تعلمون ما أعلمُ لضحِكْتُم قليلاً ولبكيتُمْ كثيرا، ولا تَلَذَّذْتُمْ بالنِّسَاءِ على الْفُرُشَاتِ، ولخرجْتُمْ على - أو إلى - الصُعُدَاتِ تَجْأَرُون إلى اللهِ".
ومن هذا الإعجاز أن المصطفى يتحكم في تكوينه ظهورا واختفاءً، من ذلك ما ذكره ابن كثير: أنه بعد نزول سورة المسد، جاءت أم جميل بنت حرب امرأة أبي لهب تريد أن تضرب المصطفى بحجر، بعد أن رأته جالسا هو والصديق أبو بكر بمكة، فقال الصديق رضي الله عنه حينما رآها قادمة: يا رسول الله إن امرأة أبي لهب تريد الاعتداء عليك، فهيا بنا نقوم من هذا المكان، فأخبره النبي بالبقاء وعدم الانصراف، وجاءت حمالة الحطب، ولكنها لم تره، وهو جالس أمام أبي بكر، فقالت: يا أبا بكر أين محمد؟ ألم يكن جالسا أمامك، فضحك أبو بكر لقولها.
ومن الإعجاز الذاتي أن المصطفى يتحكم في تكوينه طولا وقصرا، فقد ذكر البيهقي وابن عساكر: أن النبي لم يكن يماشيه أحد من الناس إلا طاله، ولربما اكتنفه الرجلان الطويلان فيطولهما فإذا فارقاه نُسِبَ إلى الرَّبْعَةِ، وفي خصائص ابن سبع: كان إذا جلس يكون كتفه أعلى من الجالس.