ترميم التمثال الثالث للملك رمسيس بمعبد الأقصر
للمرة الثالثة وبأيادى رجال الآثار المصريين التى تبنى وتعمر لخدمة وطنها مصر، انطلق رجال البعثة الأثرية المصرية فى أعمال ترميم وتجهيز التمثال الثالث والأخير للملك رمسيس الثانى بواجهة معبد الأقصر، والتى تعيد الواجهة لما كانت عليه منذ آلاف السنين فى الواجهة التاريخية لمعبد الأقصر، وهو الصرح الذى شيده الملك رمسيس الثانى ونقش عليه تاريخ المعارك الحربية للملك الشهير فى التاريخ الفرعونى.
وفى هذا الصدد، صرح الدكتور مصطفى وزيرى، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، بأن الأعمال ستتم بالتعاون مع شيكاغو هاوس، وأنها ستشمل تجميع وترميم وإعادة تركيب ورفع التمثال وعرضة بمكانه الأصلى بالصرح الأول لمعبد الأقصر، ليكون بذلك آخر تمثال ضمن 5 تماثيل للملك رمسيس الثانى، حيث نجحت وزارة الآثار خلال العامين السابقين بتجميع وترميم وإعادة رفع تمثالين آخرين للملك بالصرح الأول بمعبد الأقصر، مشيراً إلى أن الدكتور خالد العنانى وزير الآثار أوصى بالانتهاء من الأعمال فى شهر أبريل المقبل لتتم إزاحة الستار عن التمثال تزامنا مع الاحتفال بيوم التراث العالمى.
ويضيف الدكتور مصطفى وزيرى فى تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع"، أنه سيتم العمل فى التمثال الثالث والأخيرة لإعادته لموقعه الأصلى، وذلك عقب النجاحات العالمية التى حضيت بها أعمال تنصيب التمثال الأول بواجهة المعبد فى 18 أبريل 2017، وكذلك التمثال الثانى فى 18 أبريل 2018، أما الثالث فسيخرج للنور بموقعه الأصلى فى 18 أبريل 2019، مؤكداً أن التمثال الجديد تم تحطيمه منذ أكثر من 1600 سنة، وتم بالفعل البدء فى تجهيز مخطط إعادة ترميم وتركيب التمثال الجديد للملك رمسيس الثانى، موضحاً أنه سيواصل رجال البعثة المصرية الأثرية من أعمالهم فى التمثال وسيعاونهم لإنهائه سريعاً فريق من شيكاغو هاوس، حيث ستضم البعثة المصرية خلال العمل فى التمثال الأخير كل من أحمد عربى مدير معبد الأقصر، و10 رجال آثار، و10 مرممين و30 عامل.
ويؤكد الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، أنه من المعروف أن معبد الأقصر كان أمامه 6 تماثيل، ولم يتبق منها مؤخراً إلا تمثالين فقط، موضحاً أن الظنون تشير إلى أنه فى القرن الرابع أو الخامس الميلادى تم تكسير هذا التمثال عن عمد لقطع تتعدى الـ80 قطعة والأجزاء التى كانت موجودة منها لا تزيد عن 60%، وتم العمل بكل قوة فى تركيب تمثالين وجارى تركيب التمثال الثالث، موضحاً أنه مشروع ضخم وناجح لرجال الآثار بالأقصر، حيث إنه فى بداية الأمر بنهاية 2016 تم عرض فكرة العمل فى التمثال الأول على الدكتور خالد العنانى وزير الآثار، والذى وافق فى الحال ووضع ثقته الكبيرة فى الأثريين والمرممين المصريين للقيام بهذا المشروع الضخم لإعادة واجهة معبد الأقصر لما كانت عليه منذ آلاف السنين.
أما أحمد العربى مدير عام معبد الأقصر، فيقول إن التمثال الجديد مصنوع من الجرانيت الوردى عثر عليه فى عدة أجزاء، أكبرهم رأس التمثال كاملة، وتم الانتهاء من أعمال التسجيل والتوثيق وضم القطع للتمثال، والذى يبلغ ارتفاعه تقريباً 12 مترا بوزن حوالى 75 طنا من حجر الجرانيت الوردي، موضحاً أنه تم الكشف عن بقايا التمثال أثناء أعمال حفائر البعثة الأثرية المصرية برئاسة الدكتور محمد عبد القادر داخل المعبد فى الفترة من عام 1958 حتى 1960، والذى تمكن من الكشف عن التمثال وغيره من التماثيل التى وجدت مدمرة، ويرجح أنها دمرت نتيجة تعرضها قديما لزلزال مدمر فى العصر الفرعونى، وكانت عبارة عن أجزاء، قام الأثرى عبد القادر بأخذ هذه البلوكات وتجميعها وترميمها ووضعها على مصاطب خشبية بجوار مكانها الأصلى لحمايتها، مؤكداً أن ذلك المشروع الضخم ظل يراوده لمدة 26 سنة وهو يحلم بترميم وتنصيب تماثيل الملك رمسيس الثانى، وذلك منذ عام 1991 ودخوله للعمل فى آثار الأقصر، وبالفعل نجحت جهود آثار الأقصر فى إعادة التمثال الأول بتكلفة لم تزيد عن 150 ألف جنية فقط خلال 6 شهور، وذلك بدعم كبير من وزير الآثار ومحافظ الأقصر اللذين قاما بدور كبير فى توفير كافة المواد والخامات اللازم للترميم وإعادة التنصيب للتمثال بهذا المشهد التاريخى وتم تركيب تمثال ثانى، ويجرى العمل على التمثال الثالث.
ويضيف مدير عام معبد الأقصر لـ"اليوم السابع"، أن تلك الواجهة هى عبارة عن صرح تاريخى مميز شيده الملك رمسيس الثانى، ويظهر كبوابة ضخمة يتوسطها مدخل المعبد وكان يتقدمها 6 تماثيل ضخمة له، منها تمثالان كبيران على جانبى المدخل يمثلان رمسيس الثانى وهو جالس، وكان يجاور كل منهما تمثالان اخرين يمثلانه واقفاً ولم يكن يتبقى الآن من هذه التماثيل إلا التمثالين الجالسين، كما أقام الملك رمسيس الثانى أمام الصرح مسلتين من حجر الجرانيت الوردى تزين الصغرى منهما ميدان الكونكورد فى باريس منذ عام 1836 ويصل إرتفاعها إلى 22,2 متر وظلت الآخرى متواجدة فى مكانها حتى الآن، وتتميز بمجموعة للقردة البارزة التى تهلل للشمس والمنحوتة على قاعدتها، ويصل إرتفاع هذه المسلة إلى 24,6 متر، كما يوجد أمام الصرح أيضا طريق لأبى الهول "الكباش" ويرجع لعهد الملك نختنبو من ملوك الأسرة 30 الفرعونية، وكان يوصل إلى معبد خنسو جنوبى معابد الكرنك.
ويؤكد أحمد عربى مدير عام معبد الأقصر، أن النقوش الغائرة المتواجدة فى واجهة صرح المعبد تصف كافة المعارك الحربية التى قادها الملك رمسيس الثانى ضد الحيثيين بعد حكمه للبلاد بـ5 سنوات، فتوجد نقوش توضح الملك برفقة مستشاريه العسكريين، وآخرى تصف موقع هزيمة المصريين للحيثيين، ومشاهد للملك رمسيس على عجلته الخربية وهو يحارب الحيثيين ويطلق عليهم السهام والقتلى أسفل عجلته الحربية الشهيرة وآخرون يهربون من قوته، ومشهد لأمير قادش خائفاً من قوة الجيش المصري، موضحاً أنه يوجد أيضاً بالواجهة 4 فجوات كانت توضع داخلها ساريات الأعلام للبلاد خلال فترة حكم الملك رمسيس الثانى.
ويقول الطيب عبدالله حسن الباحث فى شئون الآثار، أن معبد الأقصر يعد واحداً من أهم وأشهر المعبد الجنائزية فى الأقصر والذى تم تشييده فى عصور الدولة الوسطى، فقد بناه الملك أمنحتب الثالث لعبادة الإله آمون رع، علاوة على تأكيد نسبه للإله آمون، فقد كانت التقاليد الفرعونية القديمة تحث على أن يتولى حكم مصر أحد أبناء فرعون سابق، أو على الأقل أن يتزوج من ابنة فرعون سبق له حكم مصر، وللأسف لم ينطبق على أمنحتب الثالث أى من الشرطين، لذا فقد أشار عليه رجاله وأتباعه المخلصين بإنشاء معبد ضخم لتمجيد وعبادة الإله آمون رع، سعيًا لتأكيد نسبه إليه حتى يتسنى له حكم مصر، وبالفعل فقد تحقق لأمنحتب الثالث ما أراد تمامًا وتمكن من حكم مصر، كما ساهم فى بنائه وتوسعة المعبد الملك رمسيس الثانى.
ويضاف الطيب عبد الله حسن لـ"اليوم السابع"، أن معبد الأقصر يضم 4 صالات مختلفة بها عدد 184 عمودًا، مضيفًا أن الصالة الأولى للمعبد بها 74 عمودًا وهى الفناء الأول لهذا المعبد العملاق، والصالة الثانية للمعبد بها 14 عمودًا، وهى يطلق عليها اسم صالة الأعمدة الكبرى، وهى تعتبر الفناء الثانى مباشرة فى مدخل معبد الأقصر، موضحاً أن الفناء الثالث بالمعبد وهو صالة الاحتفالات، وتحتوى على 64 عمودًا، كانت مخصصة عند الفراعنة لإقامة الاحتفالات بها، أما الصالة الرابعة، فيسمى صالة التجلى، وهى تحتوى على 32 عمودًا، ليصبح عدد أعمدة معبد الأقصر 184 عمودًا فرعونيًا من طراز خاص.
وكان قد شهد معبد الأقصر فى الآونة الأخيرة عشرات الاحتفالات التاريخية منها إقامة فعاليات افتتاح العام الثقافى المصرى – الصينى، وذلك بحضور الرئيس عبد الفتاح السيسى ونظيره الصينى، وتم تزيين أعمدة المعبد بأبدع وأروع الألوان التى توضح امتزاج الحضارة الصينية مع الحضارة الفرعونية فى مشهد رائع، كما شهد جولات وزيارات لمختلف الوفود التى دخلت المحافظة، ومنها ملكات جمال بلجيكا وملكات جمال البيئة ونجوم الفن العالمى والمصرى، ولفيف من قيادات الدول والسفراء من مختلف دول العالم.