التوقيت الجمعة، 22 نوفمبر 2024
التوقيت 05:13 م , بتوقيت القاهرة

"قالوا ايه علينا دولا" : حق الشهيد

البشر هم قوة مصر الحقيقية، ووقود طاقتها، وثروتها المتجددة غير الناضبة، ولعل ذلك يعود إلى فجر التاريخ، حين قام بناة الأهرام بتشييد تلك الصروح الشامخة في وجه الزمن كأحد عجائب الدنيا السبع.. كما يتجلى في كتائب الثقافة والعلم والإبداع التي أنارت من أرض النيل مشاعل الفكر والحضارة للعالم بأسره.. ولكن يظل جند مصر - الأكثر خيرة كما قال رسول الله - هم المثال الأصدق على معدن المصريين، باعتبارهم الصخرة الصلدة التي تحطمت عليها دوما أطماع الطغاة، وآمال السيطرة، وأحلام الهيمنة، تماما كما تتحطم فوقها الآن أفكار التطرف، فهي التي ذكرها الله في كتابه العزيز فقال : ادخلوا مصر ان شاء الله آمنين. 


يأتي يوم الشهيد هذا العام، الذي يحل في التاسع من مارس، في لحظة فارقة يخوض خلالها الوطن جولة حاسمة في معركة الشرف والكرامة ضد الارهاب الغاشم، حيث تأتي "العملية الشاملة سيناء 2018" لتمثل نفاذ الصبر في هذه المواجهة التي استنزفت الكثير من الدماء والعرق، وأطلقت في ربوع الوطن طوابير الشهداء الذين صعدوا إلى السماء ليبعثوا نور الحق والعدل كي ينير أرض مصر الطيبة.


"قالوا ايه علينا دولا وقالوا ايه ؟" 
هذا التساؤل الذي جاء في إطار الأغنية الحماسية التي اطلقت مؤخرا بالصوت الرجولي الهادر لرجال الكتيبة 103 من سلاح الصاعقة المصرية، والتي أثارت وجدان المصريين، وأنبتت ثمار الفخر في قلوبهم، كان في واقع الأمر تساؤلا كاشفا لحقيقة ما يموج في صدور أبطال القوات المسلحة والشرطة من مشاعر جارفة.. أولئك الذين يواجهون الموت ويديرون ظهورهم للحياة.. وهم يودعون كل حين بعض الرفاق.. بينما ينتظرون جائزة الشهادة في كل لحظة.


"قالوا ايه علينا دولا وقالوا ايه ؟"
هو تساؤل جاء صارخا وقاطعا بأنهم لايبتغون من وراء التضحيات التي يسطرونها سوى أن تظل ماثلة في الأفق.. خالدة لاتغيب.. يستمد منها الأبناء والأحفاد شعور الفخر.. ويقتبسون منها طاقة الكفاح والبناء والعمل.. ربما يرى أبطالنا أن وضع اسم الشهيد على لافتة مدرسة، أو على رأس إحدى الشوارع، لم يعد كافيا لتخليد بطولاتهم، على النحو الذي يحققه أن لا يكف الوطن عن روي قصص البطولة والفداء، من خلال الكتب والأعمال الفنية والابداعية، وكذا مناهج التاريخ في المراحل التعليمية المختلفة، لتكون هذه القصص سيرا ملهمة للأجيال القادمة.


"قالوا ايه علينا دولا وقالوا ايه ؟"
هو تساؤل يحمل معنى الرجاء، بأن لا تكف يد الوطن عن الربت على كتف زوجات الشهداء وأبناءهم.. تحيطهم دوما بعين الرعاية لتطمأن نفوس هؤلاء الأبطال في علياءهم.. فهم الذين انطفأت في منازلهم مصابيح الحياة لتنعم بيوت أخرى بدفء الأب والأخ والزوج.. قسوة ما بعدها قسوة.. وتضحية ليس أغلى منها تضحية.. حيث تلقي ظلالها الثقيلة على أجيال سيظل يسكنها شعور "الفقد" الذي لايمكن مداواته، وان كان بامكان الدولة ان لاتسمح بشعور "الحاجة" بالتسلل الى نفوس أولئك المكلومين العزيزة.


"قالوا ايه علينا دولا وقالوا ايه ؟"
هو تساؤل يحمل معاني التطلع إلى اليوم الذي لا يصبح فيه على أرض مصر الطاهرة ظل لأحد عناصر الظلام والتطرف، ليوقن حينها هؤلاء الشهداء الأحياء عند ربهم، أن دماءهم الذكية التي خضبت أرض مصر لم تضع سدى، بل أنارت لكتائب الحق طريق النصر لاستعادة "الأمن" الذي  يعد القاطرة التي تجر وراءها عربات الخير والرخاء من عوائد الاقتصاد والسياحة والاستثمار والتجارة، والتي تضمن المستقبل الذي ينشده أبناء هذا الوطن.


"قالوا ايه علينا دولا وقالوا ايه ؟"


سؤال ملح من أبطال القوات المسلحة والشرطة، الذين يرون أن "حق الشهيد" لايسترد فقط بالثأر وبتر اليد الغادرة التي اغتالت تلك النفوس الطاهرة الباسلة، بل يمتد هذا الحق إلى توفير كافة سبل الحياة الكريمة لأبناء وزوجات وأهل تركوهم دون عائل او سند، وفاءا وعرفانا لتضحيات الأبطال، ويمتد أيضا إلى إبقاء سيرة بطولاتهم خالدة في ذاكرة الوطن، تروى جيلا بعد جيل، ليظلوا أحياء في ضمائر المصريين.