التوقيت الإثنين، 23 ديسمبر 2024
التوقيت 05:37 ص , بتوقيت القاهرة

قطار البحيرة يفضح سوء إدارة السكة الحديد ويحتاج تدخلا مباشرا من الرئيس

فتح حادث قطار البحيرة (المناشي) ملف مشاكل الهيئة العامة للسكك حديد مصر من جديد، ليعيد إظهار الوجه القبيح لأعرق وأقدم مؤسسة نقل جماعى فى مصر.


وكلما أُغلق هذا الملف بعد كل حادث تتعرض له، بالإعلان عن برامج تطوير الهيئة وشراء عربات جديدة، وتدريب السائقين والعاملين والتعاقد مع شركات عالمية لذلك، لكنه يعود للظهور مرة أخرى مع أى حادث جديد، وتجدد نفس الوعود، ونفس التبريرات للحادث، فمرة بسبب عطل في التحويلة، ومرة بسبب نوم السائق، ومرة بسبب انفصال عربات، وغيرها من التبريرات العقيمة التى لا تعوض عن موت الشهداء ولا إصابة العشرات.


والحقيقة أن هذه الحوادث ليست بسبب كل ما سبق، وإن كانت هذه هى المبررات الموسمية للحوادث فى مصر، ولكن هى مثلها مثل حال معظم المؤسسات الخدمية فى مصر، تعاني من سوء إدارة مزمن، لا ينفعه المسكن، ولا يصلحه الخطب والتبريرات الزائفة.


 ورغم أن مصر الآن فى عهد الرئيس السيسى، ترحب بأى أفكار للتطوير وتشجع القطاع الخاص، وتوفر التمويل من البنوك، إلا أن مسئولى القطاع دائما متأخرين بعشرات الخطوات عن استراتيجيات الرئيس للتطوير، ويبدو أن ذلك يتطلب تدخلا مباشرا من الرئيس فى هذا الملف، مثل غيره من الملفات التى لا يتم انجازها بشكل جيد إلا بتدخل الرئيس مباشرة.


ولن أزيد الخطب، بخطبة جديدة عن سوء الإدارة، ولكن سأعرض نموذجا لحسن الإدارة فى هيئة سكة حديد مشابهة، تعتبر نموذجا للإبداع فى تقديم الخدمة، بدون أن تتكلف الدولة أى فاتورة مالية مقابل الإصلاح الهائل فى هذا المرفق.


النموذج هو سكك حديد الصين، والتى بدأ إنشاؤها (1881) فى نفس التوقيت الذي بدأت فيه سكك حديد مصر تقريبا (1882)، كما أنها تمتد خلال آلاف الكيلو مترات فى أماكن صعبة جغرافيا، ورغم ذلك أصبحت سكك حديد الصين أفضل وأسرع وسيلة مواصلات فى العالم.


والمهم فى هذا النموذج الصينى أنه لم يكلف الدولة الصينية سوى 5% تقريبا من قيمة تكلفته، وذلك ردا على "الاسطوانة المشروخة" التى يرددها جميع المسئولين فى مصر عن أن سبب عدم تطوير الهيئة هو التكلفة العالية، حيث قام القطاع والشركات الخاصة الصينية بتنفيذ 95% من مشروع تطوير سكك حديد الصين.


وسأعرض بعض التفاصيل عن المشروع الصينى لعله يكون محفزا لمسئولى مصر، لإعادة التفكير فى الأسباب التى يعلنونها لمثل هذه الكوارث، فقد نجحت الصين فى أقل من 25 سنة فى امتلاك أطول شبكة سكك حديدية حديثة فى العالم بأطوال وصلت اليوم إلى 124 كم رغم ظروفها البيئية المعقدة، وقامت المؤسسات التمويلية والشركات الخاصة الصينية بتنفيذ 95% من خطوطها الجديدة، واستطاعت الاستفادة من التكنولوجيا الأوربية واليابانية فى بناء وابتكار تكنولوجيا صينية فى بناء وصناعة وتشغيل السكك الحديدية.


وبدأت الصين عام 1993، فى إصلاح 6 آلاف كم خطوط حديدية قديمة ليصبح من الممكن تشغيل قطارات سريعة عليها تصل سرعتها إلى 200 كم/ س الساعة، وفى عام 2004 وضعت الصين خطة مستقبلية لبناء وإضافة 10 آلاف كم خطوط جديدة بحلول 2013 بجانب استكمال تطوير الشبكة القائمة.


ولم تكتفى الصين بذلك، بل تم تعديل الخطة الاستراتيجية الصينية للسكك الحديدية عام 2008 لتتضمن بناء 16 ألف كم خطوط جديدة بحلول 2030 بدلا من 10 آلاف كم، وفى عام 2016 تم تعديل الخطة مجددا لتشمل بناء 40 ألف كم خطوط جديدة بحلول عام 2030 بدلا من 16 ألف كم.


وشهدت السكك الحديدية الصينية طفرة فى آخر 10 سنوات، وبدأت فى تشغيل أول قطار فائق السرعة تصل سرعته إلى 350 كم/ س عام 2008 بين بكين وشنغهاى، وأصبحت تملك أطول شبكة سكك حديدية فائقة السرعة فى العالم بطول 22 كم، وتملك 20 خط سكة حديد يربطها مع أوربا ودول العالم.


وارتفعت قدرة النقل فى الصين عبر السكك الحديد إلى 260 مليون راكب العام الماضى، بينهم 150 مليون راكب عبر القطارات فائق السرعة، ووصل عدد القطارات التى تعمل يوميا فى الصين إلى 5 آلاف قطار تنقل كل يوم 4.5 مليون راكب، وأصبحت الصين تنقل 30% من إجمالى ركاب وبضائع العالم عبر السكك الحديدية، أنه بفضل التقدم الكبير فى السكك الحديدية الصينية تغيرت أنماط الحياة فى الصين للمواطنين وأصبح القطار السريع وسيلة مفضلة للمسافات التى تقل عن 1000 كم/ س.


وأصبحت شركة السكك الحديدية الصينية مسئولة عن إدارة وتشغيل خطوط السكك الحديدية الصينية فقط منذ 2013، بينما الحكومة الصينية مسئولة عن تنفيذ الخطوط، على عكس ما كان يحدث قبل ذلك.


وتنفق الصين سنويًا على حجم الاستثمارات فى السكك الحديدية الصينية حوالى 800 مليار يوان أى ما يعادل حوالى 120 مليار دولار، وأن القطاع الخاص يقوم بـ95% من هذه الاستثمارات بينما تقوم الحكومة الصينية بتنفيذ 5% فقط، أصبحت الصين تملك تقنية فى بناء القطارات تناسب الظروف البيئية الأكثر تعقيدا بسعر أرخص 30% عن أوربا والعالم.


كما أن شركة (سى.ار.ار.سى) الصينية الحكومية، وهى أكبر شركة متخصصة فى تصنيع عربات القطارات فى العالم، بدأ تاريخها مع بداية تاريخ السكك الحديدية فى الصين عام 1881 وأصبحت لها فروع فى أمريكا وتركيا وجنوب أفريقيا وإيران، وأنها تنتج 30% من عربات القطارات فى العالم حاليا.


النموذج السابق، يرد على كل الأسباب الواهية التى يسوقها المسئولون عن السكة الحديد في مصر للحوادث المتكررة، وتفضح ادعاءات نقص التمويل، فهناك شركات محلية وعالمية سترحب بالاستثمار في قطاع النقل لو وجدت العقول الواعية والإدارات الجريئة في هذا القطاع المهم والمربح في كل دول العالم إلا مصر.