محمود شكوكو.. المونولجست "البهلوان" يزعج حكومة النحاس باشا
33 عاما مضت على رحيل فنان الشعب، محمود شكوكو، في مثل هذا اليوم عام 1985، بعد صراع مع المرض. 33 عاما لم تزده إلا حضورا وتخليدا في نفوس الصغار والكبار، بهندامه المختلف من جلباب وطاقية وحزام على الوسط.
كان شكوكو ممثلا بروح بهلوان وأراجوز، يبعث الضحك ويتصيد القفشات، كان صوته مضبوطا دائما على نغمات الضحك والفرح والبهجة الصاخبة، وكان أيضا ضاربا بالموال الخارج من الحواري والأزقة بلغة ملتصقة بأسماع الناس، كان مونولجست بارع شكل مع إسماعيل ياسين أشهر دويتو للفكاهة والمرح والضحك في السينما المصرية، كان كوكتيلا فنيا عجيبا، كان كل ذلك وأكثر، لدرجة أن اعتبره البعض "شارلي شابلن العرب".
محمود شكوكو إبراهيم إسماعيل من مواليد الدرب الأحمر بالقاهرة عام 1912، نشأ وترعرع في كنف والده النجار، الذي ألحقه بالعمل في ورشته ليتعلم الصنعة، ما حرمه من تعلم القراءة والكتابة، إلا أنه جاهد في مرحلة لاحقة من أجل "فك الخط". لم يهجر شكوكو ورشة النجارة الخاصة به، بل نمّاها وطورها، واستمرت تعمل حتى آخر حياته، بالرغم من النجاح الفني الكبير الذي حققه.
لاسمه الذي ذاع فنيا قصة طريفة تعود إلى جده، قصة تليق به وهو "الديك الرومي" في رقصته المنتفشة وزمجرته العابثة، كان جده يربي الديوك الرومي، والتي كان تصدر صوتا قريب من "شـ شو كو..كو كو كو"، فأطلق عليه شكوكو، رغم اعتراض أبيه الذي كان يرغب في تسميته "محمود"، فكان اسمه المركّب "محمود شكوكو"، إلا أنه اشتهر فنيا بـ"شكوكو".
يبدو أن الطرافة كانت مرتبطة بشخصية "شكوكو"، الذي كان مجرد مرآه على الشاشة يبعث البهجة والسعادة والفرح، حتى ولا كان جادا، إلا أنها جدية لا تليق بالرجل الذي لم يخجل من الرقص البلدي على الشاشة أو الأفراح أو أن يكون "هزأة"، كان يؤمن بأنه يعيش ويحيا بالفن وإسعاد الناس، "شكوكو" الذي لم يتحرج من الرقص على واحدة ونص والتمايل، إلا لاعتبار واحد، لاعتبار الفن الذي يسكنه ويجري في خلاياه، هكذا عاش شكوكو راقصا لينتزع الضحكات والابتسامات.
في الأربعينات، عاد شكوكو من رحلة فنية لإنجلترا بسيارة رياضية مميزة، كانت حدثا استثنائيا وقتها، حيث كانت السيارة حمراء، وهو ما كان محظورا استخدامه أو استيراده على عامة الشعب، وكانت حكرا على العائلة الملكية المصرية حينها، ولم تتوقف القصة عند هذا الأمر، بل استدعى الأمر تدخل مصطفى النحاس باشا، رئيس الوزراء حينها، والذي استثنى شكوكو من المنع، وأتاح له كأول مصري من عموم الشعب امتلاك سيارة حمراء، رغم الحظر الملكي.
شكوكو الذي كان يملك ذاكرة عظيمة وحضورا فنيا خاصة في العروض المباشرة، حتى أنه كان يرتجل أحيانا، عندما حضر تكريمه من الرئيس الراحل محمد أنور السادات "اتبرجل" وأخذ يحضر لـ"خطبة عصماء"، إلا أنه عندما واجهه نسي تماما ما حضره، واكتفى فقط بارتجال كلمة بسيطة كانت كفيلة بأداء الواجب، حيث استدعى بذائقته الفنية الحاضرة دائما كوبليه من أغنية لأم كلثوم، وقال: "أبدأ كلامي منين.. ولما أشوفك يروح مني الكلام و أنساه"، وهناك ضجت القاعة بالضحك الصاخب، ومعها الرئيس السادات الذي دخل في نوبة من الضحك المتواصل.