الفراخ «الفاسدة».. و«الفيروس المدمر»!
«الفراخ فيها سم قاتل!»، تحذير انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي خلال الساعات القليلة الماضية، تعقيبًا على ما أُطلق عليه «فساد الدواجن المجمدة» المنتشرة في الأسواق، بأسعار مخفضة، يصل سعر الواحدة منها إلى «15 جنيها»، بينما سعر كيلو الدواجن الحية قد يتجاوز «25 جنيهًا» في بعض الأسواق.
لا أحد يعلم- على وجه التحديد- مَنْ الذي أطلق هذا التحذير أولًا؟ وكيف عرف أن هذه الدواجن فاسدة؟ ومَنْ الذي صرَّح له بذلك؟ وهل أخذ عينات من هذه الدواجن وأجرى تحليلًا لها، وتأكد من وجود فيروسات قاتلة فيها، أم أنه يقول كلامًا في الهواء؟ وما مصلحته من وراء ذلك، هل يبغي مصلحة الوطن والمواطنين ويخاف على صحتهم، أم له مآرب أخرى؟
ظني أن هناك مآرب أخرى من إطلاق مثل هذا التحذير، فلو كان الذي حذر المصريين من تناول «فراخ التموين»، أرفق بتحذيره نتائج تحاليل لعينات تؤكد كلامه لكان الأمر مقبولًا، لكنه اكتفي بـ«تأليف الشائعة»، وأطلق سمها على مواقع التواصل الاجتماعي، فانتشرت انتشار النار في الهشيم.
ولست هنا في حاجة إلى إعادة نفي وزارة التموين هذه الشائعات، وتأكيدها على عدم وجود أي شبهة للتجارة، والتربح من صفقة هذه الدواجن المجمدة.. لكن سأتعرض للذين لا يعجبهم العجب ولا الصيام في أمشير..!
عندما ارتفعت أسعار الدواجن- قبل عامين- وتجاوز سعر الكيلو «37 جنيها»، فوجئنا بسيل من الاتهامات الموجهة للحكومة، وأن النظام «فاشل» و«بييجي على الغلابة».. ولما نزلت أسعار «الفراخ» لتكون في متناول «معدومي الدخل»، فوجئنا بمن يروج الشائعات بأن الدواجن «ميتة مرتين قبل كده»، وفيها «فيروس قاتل»!
يا الله.. الأسعار ترتفع «مش عاجب».. الأسعار تنخفض تبقى الحكاية «فيها إن»، والحكومة «مبترميش كتاكيت»!
وما ينطبق على «الفراخ» من الممكن أن يسري على مشروعات عدة. فمثلًا، الذين طالبوا بتعميق وتوسيع قناة السويس لتستوعب السفن العملاقة، هم أنفسهم الذين هاجموا مشروع قناة السويس الجديدة، بزعم أن لا جدوى من ورائها، وكان من الأولى توجيه الأموال التي أنفقت فيها لمشروعات تعود بالنفع المباشر على المواطن الغلبان!
والذين صدعوا رؤوسنا- ليل نهار- بالحديث عن ضرورة الخروج من قلب القاهرة، وبناء عاصمة جديدة، هم أنفسهم الذين هاجموا مشروع «العاصمة الإدارية»، بدعوى أنها «ملهاش لازمة»!
والذين صدعونا بـ«تطوير العشوائيات»، وتاجروا بآلام وأحلام ساكني المناطق العشوائية، هم أنفسهم الذين هاجموا الدولة التي أنشأت مناطق سكنية تليق بالشعب المصري، كما حدث في منطقة «تل العقارب»، وقالوا إن بناء الإنسان أهم من بناء الجدران»!
والذين أصابونا بصداع مزمن من حديثهم عن ضرورة تحديث تسليح الجيش المصري، هم أنفسهم الذين هاجموا «الميسترال، والرافال، وإف 16» وغيرها من صفقات التسليح البري والبحري والجوي، وتبجحوا حين قالوا: «ملوش لازمة التسليح دا كله.. والفقرا كانوا أولى بالفلوس دي»!
والذين طالبوا الحكومة بالعمل على بناء بنية تحتية قوية، والاهتمام بالزراعة، وإنشاء مصانع جديدة تستوعب آلاف الأيدي العاملة.. هم أنفسهم الذين يهاجمون شبكة الطرق والكباري الحديثة، ويسخرون من مشروع المليون ونصف المليون فدان، ويستهزئون بالمزارع السمكية، ويقللون من جدوى المصانع الجديدة، ويزعمون أنها كانت موجودة ويُعاد افتتاحها..!
والذين هاجموا الحكومة، وطالبوها بضرورة العمل على اكتشاف ثرواتنا النفطية والتعدينية، هم أنفسهم الذين هاجموا الاكتشافات البترولية الحديثة، وعلى رأسها «حقل ظهر»، بزعم أن مصر لن تستفيد منه، وسوف تذهب حصة الإنتاج إلى الشريك الإيطالي..!
وللأسف، مثل هذه الشائعات والهجوم- غير المبرر- على كل إنجاز يتحقق على أرض الواقع، يجد مَنْ يروج له في إعلام مغرض، ويحتفي بها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتنتشر كـ«فيروس مدمر»، لا هدف له إلا تثبيط عزيمة المصريين، والتقليل من قيمة أي نجاح، وتشويه المشروعات التي تحقق يومًا بعد يوم.
باختصار.. العيب ليس في «الفراخ البرازيلي»، ولا في زيادة تسليح قواتنا المسلحة، ولا في المشروعات القومية... ولكن العيب- كل العيب- في مدعي اليسار، والذين يحتكرون المعارضة من أجل المعارضة.. والذين يتهمون الحكومة دومًا بأنها تعطي «الديوك» حبوب «منع الحمل» حتى لا تبيض!