فيديو.."حلاوة الإيد الشغالة".. أقدم ترزى فى بنى سويف: مهنتنا موهبة تحتاج صبر
الترزى أو الخياط مهنة لابد وأن يتحلى ممارسوها بالخيال والصبر أثناء تنفيذ مراحل تفصيل الملابس، ولذلك لا تحظى بإقبال من الأجيال الحالية وشيوخ هذه الصنعة والقدامى منهم قلائل فى محافظات مصر.
"اليوم السابع" التقى عباس سليمان عباس 63 سنة، أحد أقدم شيوخ المهنة فى بنى سويف للحديث عن ذكرياته ومشواره، وقال: "حصلت على دبلوم صناعى، وتسلمت العمل بمصنع النسيج مع زملائى من مختلف مراكز المحافظة، فى سن تسعة عشر عامًا براتب 10 جنيهات ونصف الجنيه، ثم تزوجت وبدأت مرحلة جديدة فى حياتى" .
وأضاف عباس:" تولدت لدى رغبة فى ممارسة مهنة التفصيل "الحياكة"، وكان لدى بنطالين قمت بفك أحدهما وقصه وإعادة تفصيله بشكل حديث مستخدما ماكينة الحياكة التى تستخدمها زوجتى وعندما شاهدنى زملائى بالمصنع مرتديا البنطال أبدوا إعجابهم به ولما أخبرتهم بأنه من تفصيلى طالبنى معظمهم وخاصة المقيمين بالقرى بتفصيل بنطلونات لهم واحضروا القماش بمنزلى، إذ أن ثمن متر القماش فى السبعينيات لم يتجاوز جنيهين وتراوحت تكلفة تفصيل البنطال ما بين 75 قرشا إلى جنيه واحد .
وتابع عباس: مر عام على ممارستى لمهنة ترزى بنطلونات رجالى، وتزوجت شقيقتى من ترزى حريمى ورجالى شهير بالقاهرة وعندما شاهد طريقتى فى تفصيل البنطلونات و أسدانى بعض النصائح الهامة التى ساهمت فى استكمال ما ينقصنى فى الصنعة وشجعنى على التطوير وتفصيل "الجاكيت" والبدل الكاملة بعد 6 شهور.
ويضيف:" حصلت على 10 جنيهات مقابل تفصيل وصنع أول بدلة لأحد الزبائن والتى يصل الآن أجرها إلى 600 جنيه، فضلا عن أن أجر تصنيع البنطلون كان يتراوح بين جنيه إلى جنيه ونصف الجنيه، والبلوزة جنيه نصف، وفى عام 86 اتجهت لتفصيل الملابس الحريمى وبمرور عام بدأت فى تصنيع فساتين السهرة "السواريه"، إلى جانب البدل الرجالى التى اشتهرت بها فى مدينة بنى سويف، واشتهرت بلقب ترزى 7 نجوم، وهذا المسمى يطلق على كل ترزى يصنع 3 رجالى "بدلة صيفى ، شتوى ، بالطو " ، 3 حريمى " فستان ، جيب ، جاكيت"، بالإضافة إلى ملابس الأطفال.
واستطرد عباس قائلا:" فى عام 93 تم اختيارى للعمل " رئيس خبرات " بمكتب العمل بمديرية القوى العاملة لاختبار الراغبين فى السفر خارج مصر للعمل فى مهنة صنع الملابس، ورفضت تقاضى أجرا مقابل ذلك إلا أننى اكتشفت عام 2001 أن أحد الموظفين يحصل على مستحقاتى ويوقع أمام اسمى طوال ثمان سنوات، فقدمت اعتذارا عن مواصلة العمل بالقوى العاملة ."
وتابع عباس: "كان لى صديق يعمل سائقا لسيارة السياسى الراحل كمال الشاذلى وزير الدولة لشؤون مجلسى الشعب والشورى الأسبق، وأخبره بأننى من أفضل صانعى البدل فى الصعيد وحدد لى موعدا معه، وبالفعل قابلته بمبنى الحزب الوطنى بالقاهرة ووجدته هادىء الطبيعة وشخصية تختلف كثيرا عن شخصيته السياسية وتعامله داخل المجلسين وأخذت مقاسه وراعيت طبيعة جسمه القوية، ولم يطلب منى مواصفات خاصة للبدلتين، سوى أن يكون القماش داكن اللون، وخلال 21 يومًا انتهيت من صنع البدلتين تخللهما بروفة واحدة، وسافرت برفقة صديقى السائق وسلمت الشاذلى البدلتين وأثنى على براعتى فى التصنيع ومنحنى 500 جنيهًا نظير تفصيلهما".
وواصل حديثه قائلاً: "تعاملت مع أحد القيادات الأمنية ببنى سويف منذ سنوات، وفى أول مقابلة لنا داخل مكتبه قلت له (حضرتك جاهز علشان ناخد المقاس).. فقال متهكما لضابط بمكتبه "انتوا جيبين واحد مستعجل" ثم جلسنا معا وتحدثنا قليلا وأخبرته أننى أعرف أهمية الوقت بالنسبة لى وله، وحصلت على مقاس البدلة وانصرفت وخلال أيام أنهيت تصنيعها وأعجبته وتوطدت العلاقة بيننا بعد ذلك" .
وتابع عباس: " الترزى يكتسب سمعته من صنع الملابس بشكل جيد فضلا عن حساسية تعامله مع السيدات خاصة المترددات حديثًا على المحل أثناء الحصول على مقاساتهن، ويعد اقناع الزبائن من الرجال أفضل وأسهل مقارنة بالسيدات اللاتى لا تنتهى طلباتهن الخاصة بتغيير ألوان القماش أكثر من مرة أو إجراء تعديلات كثيرة على الموديلات .
وأضاف عباس: " لم يؤثر ظهور الملابس الجاهزة على معدل إقبال الزبائن على محلى، نظرا لأننى دائم التطوير فى المهنة كما أجيد تفصيل أى طراز " موديل " حديث رجالى أو حريمى يطلب منى، منوها أن صنعة أو مهنة الترزى هى موهبة من عند الله علاوة على اكتساب خبرات على مدى سنوات العمل، و كلمة "مقص دار " معناها أن الترزى يجيد قص وتصميم أى نوع من الملابس، ولا يوجد إقبال كاف من شباب الجيل الحالى على ممارسة مهنة "الحياكة"، نظرا لاحتياجها لخيال ومجهود ووقت لتصنيع الملابس المختلفة لافتا أنه نقل خبراته إلى ثلاثة من أبناءه وابن شقيقته الذين اتقنوا الصنعة ودائما يوصيهم بعدم التدخين أثناء قص القماش وتصميم الملابس وكذلك الاحتفاظ ببقايا القماش "قصاقيص" والتى يمكن استخدامها عند الحاجة الملحة إليها .