التوقيت الجمعة، 22 نوفمبر 2024
التوقيت 06:43 م , بتوقيت القاهرة

قضية فكر وعقيدة

نعود اليوم خطوات عديدة للخلف بعد القضاء بعودة جماعة الضباط الملتحين، وتصدرهم للصورة مرة آخرى، وحتى نكون واضحين فلسنا هنا في مجال لأن نعلق على أحكام القضاء ذلك حتى لا يسئ فهمنا البعض، لكن القضية هنا ليست مجرد قضية قانونية تتعلق بالإجراءات ذلك حتى نستخدم فيها أحكام القانون المجردة، بل هى قضية فكر وعقيدة لتشكل بعدا سياسيا بإمتياز، ويمكن أن تؤسس لنوع بغيض من المعارك الصغيرة تضر بمصلحة الدولة وما تقوم به من إصلاحات لدرء الأضرار التي لحقت بها جراء توغل التيارات المتأسلمة.
فى البدء يجب أن نعود للحظة التى انطلق فيها تنظيم " الضباط الملتحون " للنور، وهى لحظة صعود التيارات الإرهابية المتظاهرة بإنتمائتها الإسلامية إلى سدة الحكم فى جمهورية مصر العربية عام 2012، مع وصول رئيسهم المخلوع إلى كرسي الرئاسة، وهى لحظة انطلقت فيها خطة التمكين التى عكفت عليها الجماعة الإرهابية بعد ثورة 2011، ظنا منهم أنهم يمكنهم احتلال كل الفراغ السياسى الذى خلفته الأحداث على مدار عام ونصف.
وبغض النظر عن أن إطلاق اللحية أمر يعنى الإصرار على الإخلال باللوائح الشرطية والعسكرية، الذى من المفترض أن يكون واضحا بالنسبة لكل طالب قرر الالتحاق بأكاديمية الشرطة، وهو واجب على كل من قرر بمحض إرادته الانتماء للمؤسسة الشرطية، وأن من حق الدولة أن تمنع ظهور رجال الشرطة بلحية أو بشعر طويل، وذلك حفاظاً على النسق العام لأفراد الداخلية، وبالتالي فإن مخالفة هذه القواعد قد تؤدي إلى الفصل وإنهاء الخدمة.
وليس هناك دلالة على ذلك الا نص الحكم نفسه الذى لا يختلف مع كل ما ذكرناه سالفا، وأنها اختلفت فقط فى طريقة العقاب، وأوضحت المحكمة، في حيثيات حكمها أنه " ثبت من الأوراق أن الطاعن قد ارتضى طواعية الانخراط في العمل بمرفق الشرطة، وأقسم قبل مباشرة أعمال وظيفته باحترام الدستور والقانون، ومارس أعماله كضابط شرطة لسنوات طوال، ملتزماً بضوابط هذا المرفق ذي الطبيعة الخاصة، والتي من بينها الالتزام بزي خاص ومظهر لائق يحكمه القانون والقرارات والتعليمات الانضباطية، ومن ثم فكان يجب عليه استكمال أعمال وظيفته بموجب القانون والتعليمات، لكنه أعفى لحيته اعتقاداً منه بمخالفة قصها لأحكام الدين الإسلامي الحنيف، رغم كونها من الأمور المُختلف فيها.
وتابعت المحكمة: "ومن ثم يكون الطاعن قد خالف بذلك القانون والتعليمات الانضباطية داخل مرفق الشرطة، وأصر على المضي في نهجه مفضلاً الاستمرار في الجدل في القضايا الفقهية الخلافية، دون أن يستقيل أو يلتمس عملاً آخراً، فإنه يكون مرتكباً ذنباً إدارياً مسلكياً لا يجب التهاون في شأنه، باعتباره يمتنع عن الخضوع لقواعد النظام مع الالتزام به".
واستطردت المحكمة: "غير أن قرار عزل الطاعن من وظيفته قد شابه الغلو وعدم التناسب، وما يعتبر معه هذا الجزاء بمثابة الإعدام الوظيفي للطاعن، وكان يتعين على مجلس التأديب بوزارة الداخلية الملاءمة بين الذنب الإداري الذي اقترفه الطاعن وبين الجزاء المناسب له".
ومن ثم نحن هنا إذا لا نتحدث عن مجرد معتنق شخصي، وحرية الملبس، بل عن لافتة يرفعها كل ضابط ملتحى، ويقول فيها أنه منتمى للجماعة الإرهابية ولو بأضعف الإيمان، وبالتالي فإن إنتمائه لجهاز الشرطة أمرا يجب مراجعته في ضوء كونها قضية فكر وعقيدة.