التوقيت الثلاثاء، 26 نوفمبر 2024
التوقيت 04:12 ص , بتوقيت القاهرة

كيف صالح "السادات" "النقشبندي" على الموسيقار بليغ حمدي؟

سيد النقشبندي
سيد النقشبندي

"مثل النور الكريم الفريد الذى لم يصل اليه أحد"، هكذا وصف الدكتور مصطفي محمود صوت الشيخ سيد النقشبندي، عندما خشع قلبه لصوت ابتهالاته، كيف لا وصوته حين ينادي:"مولاي إني ببابك" تتفتح أبواب السماء لإستقبال التائبين المحتاجين لعفو الله.

النقشبندي
النقشبندي
 
انضم النقشبندي إلى الرعيل الأول من المقرئين، الذين عرفوا أن لغة الشعوب واحدة في الوجدان، فكانت المقامات الموسيقي حاضره في دراساته، لم تنفصل يومًا عن رحلته في الابتهال والأناشيد الدينية، فمنحت صوته بعدًا وتريًا خاصًا، ومساحة قوية جدًا بشهادة عدد كبير من الموسيقيين.

في عام 1920 ولد النقشبندي الذي صار بعد ذلك من ملوك التلاوة، يبحر بصوته بين أمواج القرآن العذبة، وتعرف مكتبته أشهرالموسيقيين العالميين.

بادرعدد كبير من الموسيقيين إلى تلحين  ابتهالاته، لغرامهم الشديد بصوته القوي ذوالمساحة العريضة، بيلغ حمدي كان له نصيبا من هذا الإعجاب، دفعه لتلحين ستة أدعية من بينها "أشرق المعصوم، رباه يا من أناجي ، ليلة القدر"، وبفضل تلك التسجيلات قال عنها الإذاعي الكبير وجدى الحكيم: "إن لم يسجل النقشبندي تلك الأدعية ما كان ليكون له تاريخٌ بعد رحيله".

تميز صوت "النقشبندي" الذى ارتبط بصوم شهررمضان، بالتسامح الكبير، والذي غمر جيل المقرئين الأوائل قبل ظهورالتيارات الدينية المتشددة، التى شوهت معني التسامح، وجعلته يقف عند حد الصراع.

محبة "السادات" للنقشبندي

لم يقحم "النقشبندي" صوته فى الصراعات السياسية، أو يفرض رؤيته الدينية على أحد، اتسع قلبه للجميع، فالوطن للجميع والدين لله, لكن القادة السياسيين هم من هرولوا لمحبته، كان من بينهم الرئيس محمد أنور السادات، والذى عشق صوت" النقشبندي"، وصالحه على بليغ حمدى، حيث كان يرفض الشيخ تلحين ابتهالاته الإنشادية لإقتناع الشيخ أنها راقصة

"الحكيم" يقنع " النقشبندي" بتلحين ابتهالاته

يكشف الإعلامي المصري وجدى الحكيم قصة هذا التصالح، والتى بدأت عام 1972، فى حفل خطبة ابنه " السادات" في القناطر الخيرية، وكان "بليغ حمدي" حاضرا، فنادى عليه "السادات" وقال له:"عاوزأسمعك مع النقشبندي"، ثم أمر وجدى الحكيم وكلفه بفتح استديو الإذاعة لهما لكن" النقشبندي" رفض لاعتقاده أن الألحان تفسد الخشوع وقال لـ" وجدى الحكيم": "على آخر الزمان هأغني".

النقشبندي والسادات جديدي
النقشبندي والسادات جديدي
لكن "الحكيم" طلب منه أن يستمع أولا للحن "بليغ"، واصطحبه إلى استوديو الإذاعة، ليجلس مع بليغ حمدي لمدة نصف ساعة، يقرر بعدها، ويضحك "الحكيم" وهو يتذكر هذا الموقف قائلاً: "اتفقنا أن أدخل عليهما بعد نصف ساعة فإذا وجدت النقشبندي خلع عمامته فإن هذا يعنى أنه أعجب بألحان بليغ، وإن وجدته مازال يرتديها فيعنى ذلك أنها لم تعجبه، وأتحجج بأن هناك عطلًا في الأستوديو لإنهاء اللقاء، ونفكر بعدها في كيفية الإعتذار لبليغ".

وافق "النقشبندي" في نهاية الأمر على تلحين ابتهالاته بموسيقى بليغ حمدي، وامتدت العلاقة قوية بينهما وبين السادات لدرجة أنه كان يصطحبه معه إلى قريته "ميت أبو الكوم" بمحافظة الفيوم لينشد له ابتهالاته في مدح النبي في جلسات خاصة، وكان النقشبندي واحداً من خمسة شيوخ مقربين لقلب السادات مثله مثل الشيخ محمد متولي الشعراوي والشيخ عبد الحليم محمود.

حفظ " النقشبندي" مئات الأبيات الشعريّة للإمام البوصيري ولابن الفارض ولأحمد شوقي، وكان قد قال في حوار قديم له مع الإذاعي الراحل طاهر أبوزيد، إن أحب المطربات إلى قلبه هي "أم كلثوم"، وكان قد غنى لها جزءاً صغيراً من قصيدة «سلوا قلبي» لأمير الشعراء أحمد شوقى، وقال إنّه صارحها ذات مرة بعشقه لصوتها، خاصة في أداء القصائد.

عرفت نشأة "النقشبندي" طريق الزهد والتصوف، حيث يعود اسمه الى الطريقة النقشبندية، التي كان جدهالشيخ بهاء الدين نقشبند أحدا اعضاء فرقتها الصوفية، ومن قريته "دميره" بالدقهلية، التى شهدت مولده عام 1920، إنتقل الشيخ برفقة أسرته الى مدينة طهطا جنوب الصعيد، ليتعمل القرآن الكريم على يد الشيخ أحمج خليل قبل أن يستكمل عامة الثامن، لحفظ القرآن وتعلم الأناشيد وحضور حلقات الذكر مع الطريقة النقشبندية، التى منحت لصوته عذوبه وسحرا وتسامحا كبيرا، الصدفة وحدها هى من قادت الشيخ الى عالم الشهرة، والإنضمام الى الإذاعة المصرية رسميا عام 1967.

 في عام 1966، التقى الشيخ مصادفة بالإذاعي أحمد فراج، حيث كان يشدو ابتهالاته فى جامع الحسين، فعرض عليه أن يقوم بتسجيل الأدعية الدينية لبرنامج "دعاء"، والذى كان يذاع يوميا عقب آذان المغرب، إلى جانب إشتراكه فى حلقات البرنامج التلفزيوني في "نور الاسماء الحسني" وسجل برنامج الباحث عن الحقيقة، والذي يحكي قصة الصحابي الجليل سلمان الفارسي، هذا بالإضافة إلى مجموعة من الابتهالات الدينية التي لحنها محمود الشريف، وسيد مكاوي، وبليغ حمدي، وأحمد صدقي، وحلمي أمين.