التوقيت الثلاثاء، 26 نوفمبر 2024
التوقيت 05:47 ص , بتوقيت القاهرة

تعرف على سر عقدة أحمد زكي من النساء

أحمد ذكى
أحمد ذكى
امتلك عيونا سوداء تائهة، خلفت وراءه شغفا كبيرا لملاحقة أسرارحياته الشخصية من اجل التلصص عليها وفتح خزائنها، لمعرفة سبب الحزن الكبير الذي سكن عينيه، وجعلته يمتلك جاذبية خاصة في التعبيرعن مشاهد الوجع بأفلامه.
 
أحمد ذكى
أحمد زكى
 
 
اليتم كان وراء هذا الحزن، لم يكن يتم أبيه سبب هذا الألم العظيم، لكن يتم الأمومة التي تركته وهي على قيد الحياة بعد وفاة والده لتتزوج بآخر.
حفرهذا الوجع شقا عظيما في قلب "زكى"، وكبر الوجع معه، وبنى مدنا من الأحزان في عينيه، التي تحولت خلف الكاميرا إلى حفرة عميقة تخطف كل من ينظر إليها، دون أن يقبض عن سبب واضح للألم.
 
أحمد ذكى وزوجته هالة فؤاد
أحمد زكى وزوجته هالة فؤاد
 
ربما لم يعلن "زكى"الذي نتذكره في ذكرى ميلاده سبب هذا الوجع الذي رافق حياته، ولكن حزنه الذى وزعه في عدد من المشاهد السينمائية التي جمعته بالأمهات، كان دالا على تلك العقدة من النساء، فظل رافضا الارتباط بامراة بعد وفاة زوجته الفنانة هالة فؤاد، والذي انفصل هي أيضا عنها قبل وفاتها لعدم انسجامهما معه.
 
لكن وقع مغشيا عليه عند سماع خبر وفاتها، وهو يصور أحد المشاهد في الاستوديو، فنقلوه إلى منزله طالبًا من الجميع عدم الإعلان عن تلك الواقعة، لأن طليقته كانت متزوجة من رجل آخر.
 
تفسر المخرجة ايناس الدغيدي سرعقدته من النساء، وهي تتحدث عن أحمد زكى في أحد الحوارات وتقول: "تربت بداخله عقدة نفسية بسبب والدته، فكان غريبًا جدًا في تعامله مع المرأة.. ممكن يكون أعظم رجل في الدنيا يحتوي المرأة، وفي ثانية واحدة يرميها من سابع دور".
 
الهروب
الهروب
 
لكن"زكي" حاول تعويض غياب الأم، وهو يحتضن نساء آخريات في بعض من مشاهده التي جمعته بفنانات أقدمن على تمثيل دور الأم أمامه. لا ننسى أصدق مشهد له فى فيلم "الهروب" وهو يسلم نفسه، ويعرف أن مصيره الإعدام فقط ليحتضن أمه "زوزو نبيل"، وهي تنادى عليه بأمومة طاغية" ولدي.. ليه يا ولدي".
 
الليلة الموعودة
فيلم الليلة الموعودة
 
يترك "زكى" مشاهد الابن البار بأمه، ويتحول في مشهد آخر إلى الابن العاق تجاهها، قليل الاهتمام بها، لكن هذا لا يمنعه أن يتحول لغول غارق في الغيرة، بمجرد أن يشعر أنها تريد الارتباط بأحد الرجال بعد وفاة والده، نجده أنانيا ونرجسيا للغاية في مقاومة ذلك مع والدته كريمة مختار، في مشاهدها معه بفيلم " الليلة الموعودة"، يثور عليها وتمتلكه الغيرة للدخول فى معركه مع زوج أمه فريد شوقي، يحاول " زكى" تفريغ طاقة الغضب من والدته الحقيقية على كريمة مختار، وهو يؤذيها بكلمات موجعة، وكأنه يعاقب أمه الحقيقة على تركها له.
 
"اليتم الحقيقي اللي ماتت أمه مش أبوه"، جملة نرددها في الواقع، لكنه مع أحمد زكى تحولت إلى نوبات اكتئاب متتالية، لم تفارقه يوما فى مشوار حياته السينمائية، يسميه هو "اكتئاب تناوبي".
 
هكذا اختارله هذا المصلح للهروب من أزمتة الحقيقية فى التعلق بوالدته وفقدانه، وهو يتمنى أن يحصل على قسطِ من السعادة ولو لمدة 5 دقائق في السنة، رافضًا أن يستهلك نفسه داخل مجتمعات مادية، لذا كان يستهوى "دور البرد في العضم" ليُنسيه الدنيا وما فيها، معتبرًا إياه علاجا للاكتئاب الدائم.
 
اضحك الصورة تطلع حلوة
اضحك الصورة تطلع حلوة
 
لكن أحمد زكى ينهض من اكتئابه وآلامه الشخصية، ليترك لنا ضحكة فى فيلم " اضحك الصورة تطلع حلوة" مع الفنانة ليلى علوى، ليطبع عددا كبيرا من القبلات والأحضان على أمه "سناء جميل"، وهو يحاول تعويض غياب الأم الحقيقية، يرفض أن يعترف بضعفه الإنسانى، رغم رقته البالغة التى تعبر عنها مشاهده السينمائية، نجده مبهرا فى التعبير عن مزج الضعف والرقة فى مشهد مقتل"سعاد حسنى" فى فيلم "شفيقة ومتولى" برصاص غيره، قبل أن يغسل هو عاره منها.
 
فيلم شفيقة ومتولى
فيلم شفيقة ومتولى
 
ينتقل من الرقة إلى الانتقام من المرأة دون سبب واضح، وهو يوقع بحاذبيته المفرطة سيديتن وفتاة في آن واحد بفيلم" الراعي والنساء" ليلقى فى النهاية مصيرالقتل، دون أن تشعر بالشماتة في موته.
 
فيلم الراعى والنساء
فيلم الراعى والنساء
 
يستهويك حضوره المفرط فى فيلم" البيضة والحجر"، وهو يستقطب النساء بدهاء شاب استغل ملكاته الشخصية فى توظيفها لخدمته ماديا للخروج من فقره، وهو يمارس دور"الدجال".
 
فيلم البيضة والحجر
فيلم البيضة والحجر
 
قوة ممزوجة بالضغف البالغ، هذا حظ "زكى" من الدنيا، يرفض الاعتراف بالضعف، من أجل أن يكون قويا فى وجه العالم، يقول ابنه "هيثم" فى أحد الحوارات التى أجريت معه: "لازم تبقى قوي طول الوقت.. الناس مينفعش تشوفك ضعيف"، بل يعاود نصيحته أيضا فى أحد تصريحاته لابنه: "أبحث عن ذاتك ولا تكن نسخة من أحد حتى أنا".
 
ابن الزقازيق كان بارا بأهله للغاية، وكان دائم الذهاب إليهم فى المناسبات، لم ينفصل يوما عنهم، بشهادة عدد كبير من أصدقائه، تربى شابا عصاميا بعد حصوله على الشهادة الإعدادية فالتحق بالمدرسة الصناعية، ليبدأ حلم التمثيل في السيطرة على حياته ويفكر جديا بالانتقال إلى القاهرة للإلتحاق بالمعهد العالي للفنون المسرحية كانت صعبة بل مستحيلة لشاب في سنه من المفترض أن يعول نفسه وأن يتخذ لنفسه "صنعة" تكون مصدر رزقه، لكن البيت الصغير الذي افتقده لم يكن سببا وجيها يضحي من أجله بحلم العمر.
 
فشل مرتين في الالتحاق بالمعهد، فعند آدائه الاختبارات لم ير ممتحنوه فيه أي موهبة، لكنه إيمانه بموهبته جعله يُكذب قرار اللجنة، ويُصر على التقدم للمرة الثالثة، ليسوق له القدر الفنان علي فهمي، والذي انضم للجنة الاختبار بعد عودته من الخارج، فكاد مشهد التجاهل الذي عانى منه أن يتكرر، إلا أن فهمي منحه فرصته كاملة، ليمنحه جواز مروره لعالم الفن بصورة شرعية.
 
تركنا أحمد ذكى وغابت عينه الحزينة، وظلت رصيد أفلامه فى " البرئ"،" و"الحب فوق هضية الهرم"،"وضد الحكومة"، و"الباشا" و"أرض الخوف" و"هيستريا"و"معالى الوزير"،ومستر كاراتيه" شاهده على عبقريته فى التمثيل وقدرته الفذة على الهروب من آلامه إلى سحر الكاميرا.