مباني مصر التراثية..ثروة معطلة..كيف نتجنب هدم مباني مهمة مثل "الكونتننتال"
ناشد المهندس إبراهيم محلب، رئيس اللجنة القومية لتطوير وحماية القاهرة التراثية، ومساعد رئيس الجمهورية للمشروعات القومية والاستراتيجية، الهيئة الوطنية للإعلام التفكير بجدية فى السماح بإعادة استخدام مبنى الإذاعة القديم الموجود بمنطقة "البورصة" بوسط القاهرة.
ووفقًا لاجتماع اللجنة، الأربعاء الماضي سيتم التنسيق لاجتماع بين محلب وحسين زين رئيس الهيئة الوطنية للإعلام، لمناقشة إمكانية إعادة استخدام المبنى بشكل فعال، بما يتوافق مع أهميته التاريخية، وخطة اللجنة فى تطوير القاهرة التراثية.
وتشكلت اللجنة القومية لتطوير وحماية القاهرة التراثية فى أواخر 2016 بقرار من رئيس الجمهورية، وتضم فى عضويتها كلًّا من محافظ القاهرة، ومستشار الرئيس للتخطيط العمراني، ورئيس الجهاز القومى للتنسيق الحضاري، ورئيس مجلس إدارة العاصمة الإدارية الجديدة، ورئيس الهيئة العامة للتخطيط العمراني، وخبير فى إعادة هيكلة وإدارة الأصول، ورئيس اتحاد البنوك.
مبنى الإذاعة بمنطقة البورصة في وسط القاهرة
ومباني مصر التراثية في العاصمة وحدها تشكل كنزا معطل، وثروة تسببت البيروقراطية وعدم توفر قرارات شجاعة في إهمالها وعدم الاستفادة منها، ومن ذلك جاءت مناشدة المهندس إبراهيم محلب رئيس اللجنة القومية لتطوير وحماية القاهرة التراثية.
وتواجه القاهرة التراثية مخاطر عديدة، ألا وهي اندثار ذاكرتها وهويتها المعمارية، خاصة بعد إهمال ترميم منشآتها التاريخية ومنها فندق الكونتننتال الذي انتهى به الحال إلى أن تقرر محافظة القاهرة هذا العام هدم طابقين منه.
وفي شهر فبراير الماضي، اجتمع رئيس الوزراء شريف إسماعيل مع عدد من المعنيين بالأمر، ومنهم الدكتور على عبد الرحمن استشاري مشروع إعادة بناء فندق الكونتيننتال، وميرفت حطبة رئيس مجلس إدارة الشركة القابضة للسياحة والفنادق، وقال الدكتور على عبد الرحمن استشارى مشروع إعادة الفندق إن لقاءه مع المهندس شريف إسماعيل ناقش خطة هدم وإعادة بناء الفندق بعد عرض الدراسات الخاصة بالمبنى.
فندق الكوننتال
ووعد على عبد الرحمن آنذاك بأن عملية الهدم لن تتطرق للقيمة الخاصة للفندق، وأن الانتهاء من عملية الهدم ستستغرق 3 أشهر، وإعادة إنشاء الفندق ستستغرق 3 سنوات.
والحقيقة أن فندق الكونتننتال لن يكون الأخير المهدد بالهدم، نتيجة هذه الحالة من الشد والجذب بين مستفيدن من المباني التراثية الحالية، والحكومة التي لا تتحرك تحركات حاسمة، وغير تقليدية لإنقاذ هذه المباني التراثية، ويدخل في المنتصف مشاكل بيروقراطية، يستفيد منها أصحاب النفوس الضعيفة الذين يسترزقون من ثروة مصر لحسابهم، إما باستخراج قرارات هدم لصالح مقاولين مقابل رشاوي وصفقات أسفل الموائد، أو تعطيل ترميم وإنقاذ المباني التراثية لصالح مستفيدين منها يشغلونها حاليا.
إعلان عن فندق الكونتننتال نشرته مكتبة نيويورك العامة
ومن المباني الأخرى التي وجهت النظر إليها لجنة محلب، مبنى الإذاعة القديم الموجود بمنطقة البورصة بوسط المدينة، والحقيقة أنه من المباني المهمة التي يجب أن يتم الاستفادة منها وفتحها للجمهور في شكل متحف، ليتعرفوا فيه على فترة مهمة من تاريخ الإذاعة المصرية العريق.
ومن المباني التراثية في القاهرة، الذي خاض من أجله جهاز التنسيق الحضاري معركة للحفاظ عليه، وعدم هدمه، مبنى مصنع البيرة القديم الواقع في بين السرايات، والذي أجرى عليه أحد علماء الآثار الألمان دراسة مهمة يحتفظ جهاز التنسيق الحضاري بنسختها في لغتها الألمانية، واطلع عليها كاتب هذه السطور، حيث زرت بنفسي موقع مبنى المصنع، الذي انتقلت ملكيته إلى جامعة القاهرة، بعدما تركته شركة الأهرام للمشروبات، وانتقلت إلى مقرها في مدينة العبور.
مصنع البيرة في بين السرايات
كما أن من بين المباني المهمة التراثية، التي تظل متحفا مفتوحا وتقف شامخة، مبنى المطافئ في العتبة، وهذا المبنى مع مبنى البريد، وجاء إنشاء هذه المباني في لحظة تاريخية حاسمة من تاريخ مصر، إذ تم تصميم دار الأوبرا وبنائها في ميدان العتبة، على غرار ما قام به المخطط الفرنسي "هوسمان" في باريس، حيث سمي الميدان وقتها باسم ميدان الأوبرا.
مبنى المطافئ
وامتد العمران لميدان العتبة المجاور لميدان الأوبرا، وإنشاء العديد من المباني ذات الطراز المعماري المتميز، التي شكلت حدود ميدان العتبة حتى وقتنا الحالي، وتم تخصيص مساحة واسعة من الأرض بين ميداني الأوبرا والعتبة لإنشاء حديقة الأزبكية، وهي حديقة عامة ترفيهية وثقافية احتوت على برك وبحيرات وكهوف صناعية، وأكشاك موسيقية، ومتنزهات.
وتعرضت المنطقة للتخريب في السبعينات حينما شب حريق في مبنى دار الأوبرا، مما تسبب في دمار المبنى، ونشأ بدلا منه جراج متعدد الطوابق قبيح المنظر، كما تم إنشاء كوبري علوي "كوبري الأزهر" اخترق ميدان العتبة وقلب القاهرة التاريخية، مما أدى إلى تدهور شديد في المكان، وطمس هويته، وتم هدم أجزاء من حديقة الأزبكية التاريخية، وقطع أشجارها، واحتلت المباني الجديدة أجزاء منها، فتم بناء المسرح القومي ومسرح العرائس ومسرح الطليعة على أجزاء من الحديقة.
عمارة تيرنج
ولا يمكننا إنهاء هذه السطور، قبل الحديث عن أحد معالم القاهرة التراثية، وهي عمارة تيرنج، إحدى المعالم التراثية المهملة في منطقة العتبة، وهي عمارة كبيرة في أعلاها كرة تحملها 4 تماثيل ويقال أنها واحدة من 3 عمائر في العالم كله.
بنيت عمارة تيرنج على يد المهندس النمساوي "أوسكار هوريتز" وهو معماري يهودي نمساوي، درس العمارة في بلده، وجاء إلى القاهرة في الفترة من 1913، إلى 1915، وبنى خلالها هذا المبنى التجاري، بميدان العتبة، وكان مقاول المشروع هو ليون رولين فيلز، ومن أعمال هذا المهندس في القاهرة، فيلا على إبراهيم باشا وعمارة الإيموبيليا، وعاش في عمارة تيرنج الكثير من اليهود، لذلك سميت باسم عمارة اليهود.
وامتلك عمارة تيرنج الخواجة اليهودي النمساوي فيكتور تيرنج الذي أراد أن يحاكي متاجر سيزار ريتز في أوروبا، فوقف عند ساحة ميدان العتبة عام 1910، واختار موقع عمارته لبناء مركزه التجاري.