عن شهوة اقتناء الكتب..هل نشتري الكتب لنقرأها..أم لنتباهى بها؟
يتباهى محبو القراءة وسط أصدقائهم بما اقتنوه من كتب، يتحول شراء الكتب إلى غاية، بعدما كان وسيلة وجسر للمعرفة، وتحولت الكتب المكدسة في المكتبة، إلى صورة تجلب "اللايكات" على فيسبوك، ووسط كل ذلك، يبقى السؤال الصعب..كيف نحسب زمن القراءة؟ وكيف نعرف الزمن الذي نحتاجه لقراءة كل الكتب في مكتبتنا الخاصة، هل نحتاج لعمرين بجانب عمرنا للانتهاء من قراءة الكتب التي نقتنيها؟
نحن نتلقى يوميا عشرات الإشعارات عن كتب جديدة، السوشيال ميديا وسعت من دائرة معرفتنا بما يطرح يوميا في سوق النشر، الترويج الهائل للكتب ساهم في ضآلة وقت القراءة، فأصبح الاقتناء هو الأساس، وبعدما كان الحصول على كتاب واحد هو الهدف، صار الحصول على العديد من الكتب هو الهدف الأسمى، ولا يتوقف اقتناء الكتب، بل يستمر، بشغف وشهوة كبيران، حتى إذا لم نقرأها.
كتاب المخلص دوما فانسنت
يقول الكاتب الألماني والفيلسوف فالتر بنيامين، عن اقتناء الكتب – مقال ترجمه أمير زكي ونشره منذ عامين في مجلة عالم الكتاب التي تصدر عن هيئة الكتاب- شغف المقتني يقترب من فوضى الذكريات، كلكم سمعتم عن الناس الذين يحولهم فقدان كتبهم إلى مرضى، أو هؤلاء الذين يتحولون إلى مجرمين بحثا عنها.
يتحدث فالتر بنيامين أيضا عن فشل مقتني الكتب في قراءة كل تلك الكتب في ذلك المقال المترجم، ويحكي عن السؤال الذي تلقاه الكاتب "آناتول فرانس" على من سأله: هل قرأت كل هذه الكتب مسيو فرانس؟، فكانت إجابته: ولا حتى عشرها، أنا لا أعتقد أنك تستخدم طقم المائدة الصيني كل يوم.
في معرض الكتاب الماضي، كان كتاب "رسائل فنسنت فان جوخ" الذي أصدرته دار الكتب خان بترجمة كل من ياسر عبد اللطيف، ومحمد مجدي، ويضم 265 خطابا للفنان الهولندي الشهير، و108 اسكتشات أصلية، وصور في الفترة من 1872-1890، قد آثار الجدل بسبب سعره المرتفع، الذي أعلنت الدار أنه يصل إلى 900 جنيه، آثار الكتب أيضا شهية مقتني الكتب، فيما لم تجد الناشرة كرم يوسف، صاحبة الكتب خان، حلا اقتصاديا لإتاحة الكتب بسعر أقل تكلفة إذ أن عدد صفحاته تصل إلى 1300 صفحة، وتم تجليده تجليدا فاخرا، مزودا باسكتشات رسم أصلية، وتم تجليد الكتاب "خياطته" يدويا، في مصر، لكن هذا السعر ظل عائقا أمام مقتني الكتب للحصول عليه، فيما أثيرت على مواقع التواصل الاجتماعي قضية: أن اقتناء الكتاب يعد امتيازا لطبقة معينة من القراء، أو المثقفين الأثرياء.
بعض الكتب تكون جاذبة للاقتناء لأنها مطبوعة طبعات فاخرة “Hard cover”فتتحول إلى زينة في المكتبة، وبعض الكتب تكون جاذبة للاقتناء لأنها تصلح ككتب هدايا، سواء لكون بعضها عتيق الطبعة، أو نادر، أو لأن بعضها في مجالات مفيدة، مثل كتب الطبخ وخلافه.
أحمد جمال بائع الكتب في مكتبة تنمية، يتحدث عن زمن القراءة، وعن الوقت الذي قضاه في قراءة بعض الأعمال الكبرى، مثل "ثلاثية نجيب محفوظ" يقول أحمد لدوت مصر: معدلي في القراءة كبيرة، ويتراوح بين 60 إلى 80 صفحة في الساعة، لكن الفكرة في عدد الساعات التي ستتوفر لي خلال اليوم، الذي يزاحم القراءة فيه، ساعات العمل، وغيرها من الارتباطات الحياتية.
أحمد جمال
يقسم جمال فئة مشتري الكتب، أو مقتني الكتب إلى فئتين، يقول: هناك ناس لديها شهوة الاقتناء، لكن ليس لديهم وقت للقراءة بالتأكيد، لكنهم يحبونها، ويحبون أن يصفهم الناس بالمثقفين، لديهم القدرة الشرائية على اقتناء الكتب، وينقصهم أن يقال عليهم "مثقفين" فيقتنوا الكتب من أجل ذلك.
الفئة الثانية التي يصنفها أحمد، هي فئة المثقفين، الذين لديهم القدرة المادية على شراء الكتب، فيشترونها، لأجل ذلك، حتى إذا لم تتوفر لهم فرصة للقراءة، ولا يتوقف شراءهم لها.
اسأل أحمد عن تقديره لزمن القراءة الذي يحتاجه للانتهاء من الكتب الكثيرة في مكتبته، يجيب أنه من المستحيل أن يتنبأ بزمن القراءة يحتاجه ليفرغ من قراءة مكتبة كاملة، لكن مكتبته الخاصة هو قرأ معظمها بالفعل، لذلك هو لا يفكر في هذه المسألة.
يسمي أحمد جمال "الرغبة في قراءة مجموعة كتب" بمشروع قراءة، ويرى أنه لا يمكنك أن تحدد ساعات معينة لتفرغ خلالها من قراءة مثلا "كتب صوفية عديدة" أو "المثنوي بأجزائه" لكن بالتأكيد سيستغرق هذا من صاحب هذه الرغبة عدة أيام.