التوقيت الثلاثاء، 24 ديسمبر 2024
التوقيت 03:13 ص , بتوقيت القاهرة

"بلا أثر".. تحقيق استقصائي يكشف تآكل الأراضي الأثرية في مصر (3-4)

مناطق إسنا الأثرية في قبضة التعديات


50 محضر تعدٍ على منطقة الجبلين.. وما تم إزالته 24 فقط


منطقة حفائر العضايمة تتحول إلى "مزرعة" دون تدخل


صور القمر الاصطناعي توضح تمدد التعديات في المنطقة


تحقيق – أحمد عيد وعلاء أبورية  


شهرة محافظة الأقصر التي طبقت الآفاق، باعتبارها أشهر المدن الأثرية في العالم، لم تحمِ أثرها من ما تعرضت له فسطاط القاهرة (الجزء الأول)، وأراضي دهشور الأثرية (الجزء الثاني) من تعديات مخالفة للقانون.


هنا، في قلب الرقعة الزراعية وعلى مقربة من نيل قرية إسنا وبين مباني الأهالي وعشش مواشيهم يجثم جبلان شامخان، في قلبهما آثار ترجع إلى عدة عصور تاريخية.


فمن الشرق يمتد جبل على مساحة 54 مترًا يحتوي على المعبد المكرس للإله حتحور، ويجاوره بالناحية الغربية الجبل الغربي على مساحة 296 مترًا، ويضم الجبانة المركزية. والجبلان مسجلان كمواقع آثرية بكود 220203.


الحلقة الأولى| "بلا أثر".. تحقيق استقصائي يكشف تآكل الأراضي الأثرية في مصر (1-4)


الحلقة الثانية| "بلا أثر".. تحقيق استقصائي يكشف تآكل الأراضي الأثرية في مصر (2-4)


مساكن على أرض أثرية


بدأ التيار الجارف لزحف مساكن الأهالي ومواشيهم ورقع مزارعهم على الجبلين مع الثورة في عام 2011، عندما بدأت عائلة كبرى في المنطقة من بيع الأراضي الأثرية بأوراق مزورة تدعي ملكيتها لأرض الآثار.


بعدها بدأ البناء والزراعة واستصلاح بعض الأراضي القائمة على الجبلين الآثريين خاصة الشرقي، فضلًا عن إتخاذ البعض هذا كقناع للتنقيب عن الآثار، وفقًا لمفتشي الآثار بالمنطقة.


وبحلول عام 2013، بدأت البعثة البولندية حفائرها في الجبلين، إلا أن الأهالي واصلوا التعديات من أجل إدخال مرافق لمساكنهم، ولقد أطلعنا على المحضر الذي حرره مفتشو الآثار والذي تحول إلى القضية رقم 6836 لسنة 2013، ضد المتعدين، وتم تغريم المتعدين 30 ألف جنيه نتيجة للأضرار التي لحقت بالمنطقة.


منقطة آثار الجبلين


إلا أن التعديات التي بلغت حوالي 50 تعديًا، وفقًا لما أطلعنا عليه من محاضر، لم يتم التعامل معها جميعًا، وما صدر فقط من قرارات الإزالة 30 قرار إزالة فقط بدءًا من عام 2014، ولم يبدأ تنفيذ قرارات الإزالة إلا في عام 2015 بعد ما يقرب من مرور 4 أعوام من وقوع بعض التعديات، بالمخالفة للمادة 17 من قانون حماية الآثار التي تنص على ضرورة الإزالة بعد 10 أيام، كحد أقصى، من وقت وقوع التعدي.


ووصل مجمل ما تم تنفيذه من قرارات الإزالة إلى 24 قرارًا بنسبة تقل عن 50% من مجمل التعديات، وجاء تنفيذ 5 قرارات فقط من مجمل قرارات الإزالة الصادرة بعد توجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسي بسرعة إزالة التعديات الواقعة على أراضي الدولة، وهي القرارات التي تحمل أرقام 1135، 1141، 1145، 1170، 2945 لسنة 2017.


الخريطة الأثرية للجبلين


ولقد اطلعنا على التعديات بعد حملة الإزالة التي أجريت في مايو 2017 الماضي، فوجدنا استمرار العديد من التعديات على الجبلين، كما حصلنا على خريطة آثرية للمنطقة توضح أن المناطق التي يقام عليها الآن المباني تتاخم وتصل إلى مناطق بها العديد من المعالم الأثرية الهامة، مثل مقابر ومحاجر وجرافتي أثري.


التعديات على منطقة الجبلين


ويبين القمر الاصطناعي والصور من الموقع الأثري المدى الذي وصل إليه توغل المباني على الجبلين.


يمكن الاطلاع على زحف التعديات من هنا.


 


صورة توضح استمرار التعديات على منطقة الجبلين


 


ووفقًا لما أخبرتنا به مصادر من تفتيش منطقة الجبلين الأثرية بأن المنازل الموجودة محرر ضدها محاضر تعدٍ منذ أن كانت قيد الانشاء، إلا أن تأخر إصدار قرارات الإزالة الصادرة بشأنها، سمح باستكمال إنشائها، ثم أتخاذها مساكن للأهالي، ما صعب من أمر إزالتها.


وهذا يعد مخالفة لنص النشرة الصادرة من مكتب الأمين العام السابق برقم 9452 لسنة 2010 التي تشدد على ضرورة "تفعيل ومتابعة برامج مرور الأثريين لملاحقة وإزالة أي تعدٍ في مهده قبل أن يستفحل ويصعب التعامل معه". فضلًا عن ضرورة مخاطبة الأحياء أو المحافظات بعدم إدخال مرافق لمكان التعدي.


مزرعة العضايمة


وبالتحرك شمالًا إلى قرية العضايمة، وعلى الجهة الغربية من النيل، لا يختلف الأمر كثيرًا بالنسبة إلى منطقة حفائر العضايمة التي تمتلئ بالكهوف والمغارات المكتنزة بالعديد من القطع والأواني الفخارية المختلفة الأشكال والأحجام.


هذه المنطقة خاضعة لقانون حماية الآثار بقرار وزاري رقم 26 لسنة 2009، ومكودة برقم 220201 كموقع آثري، وعليه فلا يجب الزراعة في هذه المنطقة، وفقًا لقانون حماية الآثار.


إلا أننا حصلنا على عدد من المستندات التي توضح مدى ما آلت إليه أوضاع المنطقة الخاضعة لقطاع الآثار الإسلامية والقبطية من سوء، ومنها مستند موجه إلى مدير عام المنطقة الأثرية بإسنا وأرمنت تشير إلى أن المنطقة التي أجرى فيها المعهد الفرنسي للآثار الشرقية في الستينيات حفائر، تتعرض "للزحف الزراعي"، في ظل عدم تسوير المنطقة بالأسلاك الشائكة، وتركها فريسة للأهالي.


 فضلًا على أن المستند ذاته به طلب بإجراء حفائر بالمنطقة لاكشتاف المزيد من الكهوف والمغارات القبطية الهامة، وهذا يعني أن التعدي يطول مناطق غنية بالآثار.


مستند يثبت تعديات الزراعة على منطقة العضايمة الأثرية


كما أننا اطلعنا على مذكرة صادرة من قطاع الآثار الإسلامية والقبطية بمنطقة آثار أسنا وأرمنت موجهة للعرض على السيد المستشار رئيس النيابة الإدارية بأسنا لتعلمه بكثرة التعديات الواقعة على المنطقة الآثرية، وعلى المحاضر التي حررتها المنطقة ضد هذه التعديات.


 صور القمر الاصطناعي تؤكد ما حملته المذكرات والمحاضر من شكاوى بشأن التعديات الموجودة دون تدخل، فبمقارنة هيئة منطقة الحفائر في الماضي وما عليه الآن، يتضح مدى تمدد الرقعة الزراعية حتى وصلت إلى داخل منطقة الحفائر نفسها، وغطت مناطق كاملة منها.


منقطة العضايمة قبل وقوع التعديات الزراعية


 منطقة العضايمة بعد وقوع التعديات الزراعية