فى ذكرى ثورة يوليو .. أسرار "سرايا واكد" المخبئ السري للضباط الأحرار
لم يخطر ببال أحد أن تكون "سرايا" مقامة على الطراز الإنجليزى تحيط بها حديقة كبيرة وسط أراض زراعية تمتد لأكثر من أربعة آلاف فدان ويمتلكها أحد أعيان محافظة الشرقية وعضو بمجلس الشيوخ، واحدة من المخابئ السرية التى يستخدمها الضباط الأحرار لعقد لقاءاتهم بعيدا عن أعين الملك والإنجليز، أو مقر للمقاومة الشعبية ضد الإنجليز، إنه قصر "واكد بيه" فى قرية سنجها التابعة لمركز كفر صقر بالشرقية.
فور دخولك قرية سنجها مركز كفر صقر، و سترى على الطريق "سراى واكد" التى تجاوز عمرها 117 عاما، تقف شامخة بالرغم مما لحق بها من تصدعات بفعل الزمان، ومحاوطة المبانى لها، فهذا المكان كان شاهدا على أهم أحداث أثرت فى تاريخ مصر الحديث ومنها ثورة 23 يوليو عام 1952.
وقال عمدة القرية "محرم واكد" الذى يعيش فى السراى، مؤكدا أنه تخلى عن منصبه الوظيفى الكبير من أجل العيش فى السراى بعد وفاة والده العمدة السابق، وتولى العمودية خلفا له للحفاظ على تاريخ هذه السرايا العريقة .
وقال العمدة محرم، إن جده إمام بك واكد الذى كان واحدا من أعيان محافظة الشرقية وعضو مجلس الشيوخ لعدة دورات، كانت أملاكه تمتد حتى حدود المحافظة، وظل مع ذلك هو واحد من الوطنيين الثوريين الذى قاوموا الاحتلال الإنجليزى، حيث كان يحتفظ بالسلاح فى مخبأ سرى بالسراى، وكان عمه لطفى واكد طالبا بالكلية الحربية يأتى هو وزملاؤه فى الإجازات ويستخدمون المخبأ فى تنفيذ عمليات ضد الإنجليز بالإسماعيلية والقناة بمباركته.
وأضاف العمدة، أنه بعد تخرج عمه لطفى واكد، تعرف على جمال عبد الناصر فى معركة الفالوجا وتوطدت العلاقة فى حرب فلسطين، وانضم لتنظيم الضباط الأحرار، الذين أصبحوا بعد ذلك يلتقون فى السراى ضمن الأماكن الآمنة التى يستخدمونها لعقد اجتماعتهم بعيدا عن الأعين، مشيرا إلى أن من هنا بدأت علاقة صداقة قوية بين عبد الناصر والنائب إمام بك واكد، والذى كان يلقبه دائما بلقب "عم إمام"، لافتا إلى أنه كان أحد أسباب تهدئة الأزمة التى وقعت بين لطفى وعبدالناصر بعد ذلك.
وعن العلاقة الوطيدة التى كانت بين "عم إمام" وعبد الناصر التى شهدت عليها السراى قال العمدة، إنه عقب ثورة 23 يوليو، اختار مجلس قيادة الثورة القرية ضمن جولاتهم للقاء الشعب فى مختلف المحافظات وتعريفهم بمبدأ الثورة، لافتا إلى أن عبد الناصر ورفاقه وقفوا فى شرفة السراى بالدور الثانى حيث كان يتجمع الآلاف من المواطنين وفى الحديقة وحوله، وقام بتوجيه كلمة لأهالى الشرقية عن الثورة وأهدافها، كما أنه روى إليه أحد أقاربه عن ترابيزة من الخشب الزان ما زالت متواجدة فى السراى حينما فكر تشوينها فى المخزن قائلا: "إن عبد الناصر كان فى زيارة بصحبة لطفى بحضور عم إمام"، وكتبوا عليها مسودة لخطاب تأميم القناة من عليها فقرر الاحتفاظ بها ضمن مملتكات السراى، وذكر أن عبد الناصر ذات مرة خلال مروره بالقطار أمر بإيقافه فى محطة سنجها لقاء التحية لـ"عم إمام" كما كان يلقبه.
وأشار العمدة محرم واكد، إلى أن عمه لطفى واكد له تاريخ طويل فى النضال منذ كان طالبا، ففى ليلة 23 يوليو كانت مهمته تأمين منطقة جنوب القناة، والقاعدة البحرية، وفى فترة عمله لمكتب الرئيس عبدالناصر التى استمرت لمدة عامين، خرج قانون الإصلاح الزراعى وتحديد الملكية، بالرغم من تضررهم المادى الكبير منه، إلا أنه لم يعترض هو أو الأسرة مساندة للثورة وأهدافها، مشيرا إلى أنه بعدها بفترة حدثت خلاف بين الصديقين وسجن عمه بعد فترة ترك المناصب السياسية، ثم عين بعد خروجه رئيسا تحرير لجريدة الشعب والتى أصبحت بعد ذلك جريدة الجمهورية، ثم قاد معسكرات الفدائيين للمقاومة الشعبية ضد العدوان الثلاثى فى مدن القناة وكذلك فى فترة بعد نكسة 67 وحرب الاستنزاف لخبرته فى المنطقة، فى حرب 73 شارك جلال واكد الطيار فى الضربة الجوية وتم تكريمه من الرئيس الأسبق حسنى مبارك.
تجدر الإشارة إلى أن لطفى واكد عمل مساعد رئيس حزب التجمع، ورئيسا لمجلس إدارة صحيفة "الأهالى" حتى وفاته عام 1998 عن عمر 72 عاما، ولم يكن من المقربين من الرئيس السادات أيضا وانتقده فى العديد من المواقف عبر صحيفة الأهالى أبرز الصحف الحزيبة فى العقود الماضية.