التوقيت الإثنين، 23 ديسمبر 2024
التوقيت 12:23 م , بتوقيت القاهرة

إثيوبيا.. بوابة إسرائيل لامتلاك إفريقيا

في إطار سعي إسرائيل للتواجد الدائم في إفريقيا، خاصة داخل إثيوبيا التي تعتبرها إسرائيل حليفا استراتيجيا مهما، نظرا لما بين الدولتين من روابط عرقية تعود إلى وجود العديد من يهود "الفلاشا" داخل إثيوبيا، وسعي تل أبيب الدائم إلى استقطابهم، نظرا لما توفره تلك الطبقة من أيدي عاملة، تساهم في المهن المختلفة التي تحتاجها إسرائيل دائما، لذا التقارب الإسرائيلي الإثيوبي حلقة مهمة من سياسات التوسع الإسرائيلي الإفريقي، ولعل أشهر محورين تدور حولهما العلاقات بين الطرفين هما محور المياه الإقليمية وكذلك يهود الفلاشا، لكن ماذا عن الجانب الاستثماري والعلاقات الاقتصادية؟

أهمية إثيوبيا لإسرائيل

ذكر"مركز القدس للدراسات السياسية" أن  العلاقات الدبلوماسية المعلنة بين تل أبيب وأديس أبابا في 1989، بدأت بزيارة رئيس وزراء إثيوبيا حينها إلى تل أبيب، وبدأت العلاقات تزداد مع الوقت، حتى زار وزير الخارجية الإسرائيلي الأسبق، سيلفان شالوم أديس أبابا في 2004، برفقة وفد اقتصادي مكون من 22 شخصية إقتصادية إسرائيلية معروفة، وأحدثت الزيارة صدى كبيرا لما نتجت عنه من اتفاقات بين الجانبين، أعلنت بموجبها إسرائيل نيتها تطوير الصناعة والزراعة الإثيوبية عن طريق استخدام التكنولوجيا الزراعية التي تفتقر إليها إثيوبيا، بالرغم من وجود أراضي وثروة مائية كبيرة في أديس أبابا لكنها غير مستغلة بحسب مراقبين في هذه الآونة.

وكان توطيد علاقة إثيوبيا بالغرب والولايات المتحدة المدخل المهم الذي استغلته إسرائيل ولوحت به لإغراء الإثيوبيين لمد يد العون للدولة الحبشية، لتكون أديس أبابا المدخل الإسرائيلي صوب البوابة الإفريقية، ناهيك عن الاحتياج الإثيوبي للخبرة الإسرائيلية في مجال التكنولوجيا الزراعية من أجل الخروج من أزمة المجاعات التي حلت بالدولة الإثيوبية.

ولا يمكن إحصاء الزيارات الدبلوماسية المتبادلة بين الطرفين بداية من الألفية الجديدة وحتى الآن، فمعظم الزيارات تهدف لتوطيد الجانب الاقتصادي بين الدولتين.

فهناك الزيارة التي قام بها وزير خارجية إثيوبيا لتل أبيب في 2003، وبعدها زيارة سيلفان شالوم لأديس أبابا في 2004، ثم زيارة رئيس وزراء إثيوبيا الأسبق، مليس زناوي، لتل أبيب في يونيو 2004، وغيرها من الزيارات، ناهيك عن الزيارات والبعثات الطلابية التي تحرص إسرائيل على زيادتها مع الجانب الإثيوبي، من خلال إرسال وفودها إلى أديس أبابا، والعكس.

علاقات مبكرة

كشف "الأرشيف الإسرائيلي" عن  البداية الإسرائيلية في إثيوبيا كانت في ستينيات القرن الماضي حينما بدأت إسرائيل في إرسال خبرائها في مجال الاقتصاد والأمن والزراعة والاتصالات، ودشنت إسرائيل سفارتها التي تعد الأضخم بين سفارات تل أبيب بعد سفارتها في الولايات المتحدة الأمريكية، بحسب مركز القدس للدراسات السياسية.

 وتطورت العلاقات الاقتصادية الإسرائيلية الإثيوبية حتى أن وزير الزراعة الإثيوبي، تفرا دبرو أعلن أن 250 شركة إسرائيلية تقدمت بطلبات للحصول على رخص تجارية للعمل في مجالات مختلفة داخل إثيوبيا في مارس/آذار الماضي.

وبحسب وكالة الأناضول فإن حوالي 50 رجل أعمال إسرائيلي بدأوا يستثمروا منذ العام الماضي في قطاعات مختلفة، ناهيك عن حضور 60 مسثتمرا إسرائيليا اجتماع مع وزير الزراعة الإثيوبي لبحث سبل التعاون في مجالات مختلفة، أكد عليها دبرو في تصريحاته عقب الاجتماع.

وقال دبرو بحسب الأناضول، إن بلاده تتطلع إلى الاستفادة من التجربة الإسرائيلية التي تمتلك التكنولوجيا الحديثة في قطاع الزراعة. وأن العلاقات القديمة بين البلدين لم تستفيد منها بلاده في تعزيز التبادل التجاري والاستثماري على الوجه الأمثل.

التعاون الأمثل

وظهر التعاون الأمثل بين تل أبيب وأديس أبابا في مجال الطاقة والكهرباء، حيث ذكرت صحيفة "كابيتال" الاثيوبية يوم 16/9/2012، أن مجلس إدارة شركة الكهرباء الإثيوبية التابعة للدولة وافق بشكل رسمي على اختيار شركة كهرباء إسرائيل لتولي إدارة قطاع الكهرباء في إثيوبيا، كما تم الاتفاق على إنشاء محطات طاقة ووقود تتولى إسرائيل إدارتها.

وفي هذا الشأن ذكرت وزارة الشئون الخارجية الأثيوبية أن وزير الخارجية تيدروس أدهانوم حث الشركات الإسرائيلية في مارس/آذار من العام الماضي على الاستثمار الإسرائيلي داخل إثيوبيا، جاء ذلك أثناء لقائه رئيس شركة، ألانا بوستاش، الإسرائيلية لإنتاج البوتاس نجيب أبا، وذكر بوستاش أن إجمالي استثماراته يصل إلى 650 مليون دولار، مع استعداد الشركة لإقامة مصنع في المنطقة وإمداده بالتكنولوجيا المطلوبة وتعهد بتلبية الطلبات المحلية.

"إن غاب القط"

ترى خبيرة الشؤون الإفريقية والإسرائيلية في معهد الدراسات الإفريقية بجامعة القاهرة، هبة البشبيشي، أن غياب الدور المصري في إثيوبيا كان فرصة سانحة للظهور الإسرائيلي تحت مسمى "التعاون"، لكنه في حقيقة الأمر استثمار وتوغل إسرائيلي داخل القارة الإفريقية عن طريق بوابة إثيوبيا، مؤكدة بان التعاون بين أديس أبابا وتل أبيب توسع بشكل كبير خلال الألفية الحالية، سواء في المجال الاقتصادي أو العسكري أو التكنولوجي والزراعي ومجال الأقمار الصناعية والفندقة.

وتضيف البشبيشي في تصريحات خاصة لـ"دوت مصر|"، أن العديد من القضايا الجوهرية التي تم طرحها مؤخرا وأبرزت الأهمية الإثيوبية كانت الدافع الحقيقي لتغيير النظرة لها من حيث أهميتها الاستراتيجية، خاصة على المستوى الشعبي، فلم يعد ينظر المصريون لها على أنها دولة إفريقية قليلة، بل ذات قيمة اقتصادية كبيرة، مما يفسر لنا السعي الدائم لتل أبيب للتقارب الاقتصادي مع أديس أبابا.

الماشاف

أكدت البشبيشي على أهمية "الماشاف" في التوغل الإفريقي في إثيوبيا، الذي تم إنشاؤه في الخمسينات من القرن الماضي ويعمل على تعزيز التعاون الإسرائيلي الإفريقي، يقول أريه عوديد، في كتاب "إسرائيل - أفريقيا العلاقات الإسرائيلية الأفريقية"، والذي ترجمه الأستاذ عمر زكريا، إن البداية كانت عندما سافر أول ممثل لهذا المركز، دافيد هاكوهين، إلى بورما عام 1953، ضمن برنامج التعاون مع الدول النامية، إذ استدعى في ذلك التوقيت خبراء إسرائيليين إلى هناك، وكذلك استقبلت إسرائيل الدارسين البورميين، لتأهيلهم في مختلف المجالات، فلقد كان نشاط هاكوهين مثالا يُحتذى به في مجال المساعدات الإسرائيلية الأفريقية.

أما بخصوص أهداف ودوافع "الماشاف"، فإن أهداف المركز تنوعت واختلفت من شخص لآخر، فالبعض يرى أن هذا المركز أنشيء في الأساس كأداة لتحقيق أهداف سياسية إعلامية، وأن مساعداته مشروطة بضرورة اتخاذ مواقف سياسية على هوى إسرائيل، فيما اعتقد البعض أن هدف المركز يتمحور حول الواجب الإنساني والأخلاقي في تقديم المساعدات، وقد حرص بن جوريون وقتها على تأكيد الدوافع الإنسانية للمركز، فضلا عن حرصه الشديد في توجيه تهانيه الحارة لرؤساء الدول المستقلة حديثا.