التوقيت الأربعاء، 20 نوفمبر 2024
التوقيت 09:37 ص , بتوقيت القاهرة

"خضر العطار".. صوت يحمل ثقافة شعب

كتبت: ناهد سمير

"صوته يحمل ثقافة شعب".. هكذا وصفه عشاقه، فهو قائد الثورة النوبية، الذي حمل علي كتفه قضايا وطنه حتي مماته، لم يكتفي فقط بغناء التراص النوبي فأختار أن يكون مجدد ويضيف المزيد، سريع الكلام، ينهي الموضوع في دقيقتين، يغني 10 ساعات دون توقف، حافظ للتراث بأكلمه، علم نفسه العزف علي العود وحده، عن طريق الإعتكاف داخل منزله لفترة لم يخرج بعدها إلا وهو قادر علي العزف، يلقبونه في قريته النوبية "أبريم" بالشاعر، لأنه شاعر غير تقليدي، وقديماً كان لكل قبيلة شاعر..

كان يتنقل بين الـ 44 قرية نوبية، اصبح شخص مهم جداً في وقت قصير، كان يعمل بالأفراح النوبية بالقاهرة، محمد عمر وسمير عمر أكثر من كتبوا أغاني خضر العطار، وأهمهم "فخور أنا" التي كتبها محمد عمر... "خضر العطار"

توفي فنان النوبة خضر العطار في 31 مايو الماضي، عن عمر ناهز 52 عامًا، وخرجت جنازة العطار من مسجد الحصري بالسادس من أكتوبر، فيما قررت جمعية إبريم بشارع قشلاق بمنطقة عابدين إقامة سرادق العزاء لمدة 3 أيام



المحبين
"كان هو الحاجة الحلوة الوحيدة الموجوده من ريحة النوبة".. هكذا وصف أحمد بحر أحد أعضاء فرقة بلاك تيما، عشقه للفنان النوبي "خضر العطار"، وتابع "كنت بسمعه، وشوفته كتير في أفراح وحفلات، بس اتكلمت معاه يادوب مرة واحده"، ويضيف بحر أنه وفاة "خضر العطار" ستتسبب في ضرر التراث والأغاني النوبية بشكل عام، لأن النوبة لا تمتلك مطربين كثيرين مثله، حيث كان يمتلك خضر أغانية النوبية الخاصة التي كتبت له، فهو مطرب مجدد، ولم يكن يقتصر في فنه علي تقديم أغاني التراث والمطربين القدامي فقط، لذا فإن وفاته ستؤدي إلي تعليق الفن النوبي علي ماهو عليه بدون تجديد.
ويكمل بحر أن أقرب أغاني قائد الثورة النوبية إلي قلبه هي "اسألوا التاريخ الماضي مين أنا"، و "بلدك هنا خلف السد".



شركائه في المشوار الفني
وكان الفنان عادل ميخا، ممن عملوا مع الفنان الراحل خضر العطار، فهو عازف إيقاع ومغني بعدة فرق مستقله، وقال في تصريح خاص لـ دوت مصر "خضر آخر الفنانين النوبيين اللي بيألفوا أغاني جديدة"، وتابع ميخا "كان أشطر واحد يلحن أغاني نوبية، ومن بعده يجي حسن الصغير"، أما المطربين الموجودين حالياً يقدمون أغاني سودانية وليس نوبية
ويكمل ميخا أن خضر العطار هو من أشعل ثورة الأغاني النوبية، مما كان يتسبب أحياناً في القض عليه أثناء غنائه "فخور أنا" بالأفراح، إضافة إلي أنه كان يقدم تلك الأغنية لأن النوبيين كانوا أهم قضاياه في الحياة، "لدرجة إن أي حاجه لها علاقة بحاية النوبيين كان يحب يعملها، حتي لو عنده حفلة يسبها ويروح"




وفي آسي بالغ يقول ميخا "في كل فرح كان بيغني فخور أنا، لأن كان عنده مفهوم إن حق الناس في النوبة لازم يرجع، وكان بيتحسر إن الحق لسه ضايع"،
ويضيف ميخا شاركت خضر رحمه الله الغناء في حفلة بمناسبة عيد الأم، بجميعة الجنينة والشباك عام 2006، وعلي سبيل الحكي عن خضر هو أزهري مما جعل صوته أجمل، وكنا نتعاون لتجهيز أوبريت نوبي بعنوان " شيلاوية"، وهو عبارة عن قصة لإمرأة نوبية تحب رجل، وكان قد سجل خضر موال الأوبريت عام 2000، وقال لنا أحد المخرجين وقتها أن الأوبريت في حاجه للمعالجة فتوقف المشروع من وقتها، وكان خضر يسعي أن يكون "شيلاوية" كأوبريت الليلة الكبير.

ليس هذا فحسب بل أقام خضر العطار العديد من الحفلات بفرنسا، التي نظمها له أحمد المغربي صاحب مركز الثقافة والفنون "مكان" بمنطقة سعد زغلول، ولكن في المقابل كانت تجربة خضر مع العطار سبب في تغيير سلوكه بشكل كبير مما أغضب محبيه وأخافهم عليه، بل ووصف بعضهم الأمر بالأتي "المغربي نحته"، تعبيراً عما فعله أحمد المغربي بخضر العطار ولكن بطريقة الفنانين.

توفي خضر وفي نفس العام سبقته والدته، ثم أخته وتبعتها زوجته، مما أصابه بحزن بالغ، وتابع ميخا أنه من العجيب تغيير عادات، فهو بعد كل فرح ينهيه، يعود إلي منزله دون أن يقابل أحد، ولكنه بآخر مرة له بعابدين قال لأحد معارفه أنه يريد أن يري بعض أحبائه وأصدقائه قبل الرحيل، وكأنه كان عارف إنه مفارق.



رفيق العمر..
يروي لنا المهندس عطا الله عوض محمد، رفيق الفنان خضر العطار أنه قابله للمرة الأولي في الثمانينات صدفة بقرية "أبريم" النوبية، وهو يبحث في ذلك الوقت عن مشروع صغير لتوزيع النوبيين علي الأراضي النوبية
"كان كاسر كل معايير المطرب النوبي"، هكذا وصفة المهندس عطا الله، وأضاف أن خضر العطار كان من فقهاء قرية أبريم، وأكد ما قاله عادل ميخا بخصوص إهتمام أسرته بتعلم القرآن، وهو بدوره قام بتدريسه لغيره، وكان في بداية حصة القرآن يجتمع أهل القرية لأنه يرتله بلحن سهل الحفظ، علماً بأن المهندس عطا الله كتب ثلاث أغاني لخضر العطاربعنوان (أسوان، أسمك حروف، أه يا دنيا)، وهو صاحب فكرة أوبريت شيلاوية الذي لم يكتمل.

فيلم "خماسي"
رأي المخرج السكندري أحمد رحال، الفنان خضر العطاروهو يغني علي المسرح المكشوف بالأوبرا، في الإحتفال بيوم النوبة العالمي، ومن وقتها قرر تسجيل تجربته الغائية، ويقول رحال في تصريح خاص لـ دوت مصر، نه لم يكن يعرف عن خضر العطار سوي أغنية "فخور أنا"، إضافة إلي مشاركته بمسلسل الأصدقاء، ولكنه حين رأه علي المسرح كان ذلك بمثابة إعادة إكتشاف لهذا الفنان من جديد، خاصة عندما كان يغني " يا شعب ساكت .. النوبة ماتت " ثم يصمت قليلاً ويقول بصوته المميز وكاسر للحن الاغنية " انشاء الله مافيش توهه بعد كدةه إن شاء الله"، ثم يتغير لحن الأغنية إلي إيقاع نوبي راقص وهو يغني " يلا يا أخواتي نبني نوبة.. نوبة يا أمي إنتي فين"، وقتها حزنت ورقصت علي نفس الأغنية وقررت التصوير مع خضر..



كان التصوير في ستوديو أحد الأصدقاء بالمهندسين، وقتها جاء خضر في موعده واثناء شرب الشاي في البلكونة اخبرني أنه خاض تجربة غنائية مع فريق أسمه أورانج بلوسيم وأنه غني فيها "وبقينا ندوب في حب الذات زمن الإخلاص عدا وفات " ثم اكملت أنا بإندهاش" والود غريب و والجرح قريب و الحب حايل فينا ومات "، وهنا قال لي مع ظهور لمعه وخجل في عينه "أنت عارفها!".. " قلتله " انت اللي بتغنيها.. انا بدور عليك من زمان .. أنا معايا الأغنية تعال نسمعها" ، وعند تشغيل الأغنية علي سماعات الأستديو كان خضر يسمعها لأول مرة فدمعت عيناه و أرتبك.. و أدركت في هذة اللحظة أنني اتعامل مع فنان حقيقي.

وأضاف رحال أعمل علي فيلم خماسي منذ بداية عام 2012، وبالفعل أخرجت النسخة الأولية من الفيلم، و سأقوم بالتصوير أيام قليلة ومن المتوقع أن تخرج النسخة النهائية علي يناير 2015، ولكن من المحزن أن اثنين من ضيوف الفيلم وهم من أهم التجارب علي المستوي الإنساني قبل الفني توفوا مؤخراً أولهما حسين الإمام وأخيرا الفنان خضر العطار.