التوقيت السبت، 23 نوفمبر 2024
التوقيت 02:22 م , بتوقيت القاهرة

رياض القصبجي.. رحيل هادئ وبهجة مستمرة

- ها تقدر يا أبو الروض؟ يا رياض ما تتعبش نفسك.. كلها يومين وترجع تاني تقف قدام الكاميرا، طب لو تعبان نقعد نرتاح شوية
- ما تقلقش يا أستاذ حسن بعون الله انا بقيت زي الفل و تمام التمام.. وحياة حبيبك النبي ما تحرمني من اللحظة دي أنا بقالي سنة ما شميتش ريحة الكاميرا
- يا رياض انا خايف عليك.. ياعم ماجتش من كام يوم وترجع لصحتك وللكاميرا ووعد أكون أول واحد جايبك في الفيلم الجاي بس وحياة النبي ما تقرصش على نفسك
- يا أستاذ انا زي البمب وصحتي زي الفل كمان يالا بقى قبل اليوم ما يضيع
-طيب يا رياض.. جاهزين يا أساتذة.. خش كلاك


(1)



ربما هذا ما دار بين المخرج حسن الإمام والفنان رياض القصبجي في أخر مرة حضر فيها إلى موقع تصوير قبل وفاته بعام كامل، الشاويش عطية او هكذا نعرفه ظل في منزله عام قبل هذا الحوار بلا عمل وبلا حراك، الشلل النصفي كان قد حرمنا منه وحرمه من الكاميرا والتمثيل الذي يعشقه ليظل حبيس منزله حتى سمع حسن الإمام أن رياض قد تماثل أخيرا للشفاء فاختاره لأداء مشهد في فيلمه "الخطايا".


قبلها بيزيد عن 30 عاما، كان القصبجي مجرد موظف بالسكة الحديد في جرجا، كان يعشق التمثيل منذ ولادته في 13 سبتمبر عام 1903، ولكن عمله هو مصدر رزقه الوحيد، لا يقدر على المغامرة به من أجل محاولات الوصول لخشبات المسارح وفرق المسرح في المحروسة، ولكن حتى هذا الحرص لم يمنعه ان ينضم إلى فرقة التمثيل في هيئة السكك الحديدية.


ولكن هل يستطيع أي فنان ان يقف امام تلك الرغبة في احتراف الفن، الفنان الحقيقي تنهار مقاومته سريعا ليجد نفسه في النهاية ينضم لفرقة أحمد الشامي المسرحية ويظهر في أكثر من عمل سينمائي منهم فيلم "اليد السوداء" عام 1936 وفيلم " الأبيض والأسود" في العام نفسه وهو الظهور الأول للقصبجي على شاشة السينما.


بعد نزوح القصبجي إلى القاهرة انضم إلى نادي الترسانة الرياضي، وفي أحد الأيام كان فريق عمل فيلم سلفني 3 جنية يقوم بالتصوير في النادي وشاهدوا القصبجي فاختاروه للتصوير أمام الكسار وقدم القصبجي مشهدا جيدا جعل الكسار يعرض عليه أن ينضم لفرقته وبالفعل ينضم أبو الروض لفرقة الكسار ويظهر في كل أفلام على الكسار التي قدمها بعد ذلك، إضافة لأفلام عائلة الجزايرلي.


(2)



" يبدأ رياض في أداء مشهد، ألم شديد في جسمه ويتحرك بصعوبة، ينظر ناحية حسن الإمام بطرف عينه، يدرك أن المخرج اختار له حركة بسيطة كي لا يجهده، هو أخيرا أمام الكاميرا بعد عام كامل من الجلوس في المنزل، عليه ان يعود كما كان حتى لا يبعده أحد عن الكاميرا".


كان فطين عبد الوهاب يغامر أن هذا الممثل الموهوب يمكن ان يقوم بدور هام مثل دور أبو سريع ويقف ليصد ويرد أمام إسماعيل يس، في فيلمه المغامرة " الأنسة حنفي" فطين نفسه لم يدرك انه كسب الرهان إلا حينما صاح "اقطع" بعد نهاية المشهد المشهور بين الأنسة حنفي وأبو سريع حينما كان يغازلها من الشباك، وقتها اطمئن فطين على اختياره لرياض القصبجي لأن يفرد له تلك المساحة الكبيرة والتي كانت هي المرة الأولى لرياض ان يصبح أحد أصحاب الأدوار الثانية.


ذلك الفيلم تحديدا يمكن اعتباره وش السعد على رياض القصبجي فبعده أصبح قاسم مشترك في أفلام إسماعيل يس، يقدم الشخصية التي اخترعها عبد المنعم السباعي وسامي داوود في فيلم "إسماعيل يس في الجيش" والتي أصبحت علامة مميزة لرياض القصبجي واشتهر بها وهي شخصية "الشاويش عطية" الشخصية التي كانت لابد وان توجد في أي فيلم لإسماعيل يس حتى وإن كان يدور خارج نطاق الجيش واسلحته، فسنجد مثلا الشاويش عطية موجود في فيلم ابن حميدو، أصبح ضلعا مشتركا في أفلام فطين وإسماعيل يس.


(3)



" قطع غير مقصود، فجأة اظلمت الدنيا، خانته ساقاه فسقط أرضا، سقط الشاويش عطية على الأرض اثناء اداءه المشهد امام جميع العاملين في البلاتوه، هرج الجميع ومن بينهم شقيقته التي حضرت معه إليه يحملونه حملا، بينما لم يكن في تفكيره أي شيء سوى أن يوقف تلك الدموع التي تنهمر، يطلب بعينيه من شقيقته ان تعيده للمنزل فيعود أبو الروض على منزله.


عام أخر يسير فيه الشاويش عطية على عكاز طبي في المنزل، يصارع المرض والمرض يصارعه، من يفوز في نهاية المطاف، الجميع يدرك أن المرض لا يهزم، صال وجال ما يقرب من 30 عاما في السينما والمسرح قدم ما يقرب من 150 عمل، وبهدوء شديد دون ضجيج أو صخب يسلم الشاويش عطية روحه إلى ربه في 23 أبريل عام 1963، ليرحل الشاويش عطية تاركا ميراثا هائلا من البهجة والكوميديا لأجيال وأجيال.