التوقيت الجمعة، 22 نوفمبر 2024
التوقيت 08:27 م , بتوقيت القاهرة

بديع خيري.. البديع صاحب التراث

 


"الضحكة هي اللي فيها الدوا، أنا بحب أضحك الناس علشان من ضحكتهم بحس إني عايش" يمكنك من خلال تلك الجملة التي قالها البديع بديع خيري في إحدي اللقاءات أن نفهم منها فلسفة هذا المبدع، الذي بالفعل شق طريقة في الصخر ليجلس في النهاية كأحد اللذين اثروا الحركة الفنية في الوطن العربي وتحولت أعمالهم إلى تراث خالد في وجدان الشعب المصري وكل الناطقين بالعربية.


ولد بديع خيري في 18 أغسطس عام 1893 بالقاهرة وتخرج من معهد المعلمين ليعمل مدرسا لمادة الجغرافيا واللغة الإنجليزية بوزار المعارف، ولكن روحه كانت قد تعلقت بالفن والشعر تحديدا منذ أن كان في الثاثل عشر من عمره حيث بدأ في كتابة الأزجال و الأشعار وإرسالها للصحف تحت اسم مستعار وهو ابن النيل.


بدايته الفنية جاءت من خلال جماعة التمثيل العصري، وهي جماعة كالعديد من الجماعات الفنية التي كانت تتشكل في تلك الفترة تضم عدد من الموهوبين الباحثين عن الفن قبل الشهرة أو المال، في تلك الجماعة أطلق بديع أولى مسرحياته و التي حملت عنوان " أما حتة ورطة" عام 1908، وهي السنة التي كتب فيها بديع أول مونولوج غنائي له.


استمر بديع في الكتابة بل وذاع صيته بين كل أبناء " الكار" حتى عام 1912 حينما عرفه صديق على المحين الشاب السكندري سيد درويش ليفاجئ سيد درويش بعاصفة ترحاب من بديع ليقف مدهوشا " هل هذا هو بديع خيري الكاتب الذي كان يتمنى لقاءه لأنه من اشد المعجبين به؟" لتبدأ مذ تلك اللحظة شراكة فنية هامة لا في تاريخ بديع خيري او تاريخ سيد درويش فقط، ولكن في تاريخ مصر.


أفرزت تلك الشراك الفنية عن العديد و العديد من المسرحيات الغنائية والاسكتشات والأغاني، فكتب بديع أغاني مثل " دنجي دنجي، وسالمة يا سلامة والحلوة دي قامت تعجن و الوارثين، ومسرحيات العشرة الطيبة والبرنسيس  وايام العز ولو كنت ملك ومجلس الأنس" خاصة بعدما أنضم نجيب الريحاني إلى تلك الشراكة عام 1916.


ويروى الفنان عبد الوارث عسر في احد اللقاءات أن من عادة بديع خيرى أن يكتب قصائد و أغاني و يهديها لأصدقاءه ومن بين تلك القصائد التي كتبها " نشيد بلادي بلادي" الذي اصبح النشيد الوطني بعد ذلك ومتعارف أنه من كلمات الشيخ يونس القاضي، وهو ما أكده عبد الوارث عسر وأيضا حفيدة بديع خيري " عبلة عادل خيري".


الغريب أن صداقة نجيب الريحاني وبديع خيري بدأت بحادثة سرقة، فكان أحد أصدقاء الريحاني يقدم له نصوص مسرحية وأغاني بديع خيري على انها من تأليفه الشخصي، ولكن الأمر إنكشف حينما طلب نجيب تعديل سريع في إحدي المسرحيات ليقر الصديق بفعلته فيطلب من نجيب أن يعرفه بالكاتب الأصلي لتبدأ شراكة فنية أخرى بين الريحاني و بديع.


في تلك الفترة وقبيل رحيل سيد درويش كان هناك مشروع لإنشاء فرقة تجمع بين سيد درويش وبديع خيري و بالفعل تم تأسيس الفرقة وقدموا أول مسرحية لهم وهي مسرحية " الطاحونة الحمراء" ولكن هاجمها الجمهور و الصحفيون بشده فعاد بديع سريعا للعمل مع نجيب الريحاني هو وسيد درويش ليقدموا أوبريتات الليالي الملاح و الشاطر حسن.


مع دخول السينما مصر وإنجذاب الجمهور لهذا الإختراع كان لابد ان يدخل بديع خيري مضمار الكتابة للسينما حتى وهي مازالت صامته فقدم العديد من الأفلام منذ عام 1918 أشهرها فيلم يحمل عنوان المندوبان، وحينما نطقت السينما كان بديع أيضا من أول المشاركين بفيلمه مع نجيب الريحاني " حوادث كشكش بيه" عام 1934.


 قدم بديع خيري عدد كبير من المسرحيات والأفلام من بينها "سلامة في خير"، "ملكة المسارح"، "نفوس حائرة"، "بحبح باشا"، "العزيمة"، "خلف الحبايب"، "سي عمر"، "انتصار الشباب"، "عاصفة في الريف"، "البؤساء"، "نادوجا"، "شهداء الغرام"، "ليلى بنت الفقراء"، "عروسة للإيجار"، "لعبة الست"، "ليلى بنت الأغنياء"، "أحمر شفايف"، "سي عمر"، "أبو حلموس"، "فاطمة"، "حب وجنون"، "نرجس"، "غزل البنات"، "لهاليبو"، "عنتر ولبلب"، "حكم قراقوش"، "خطف مراتي"، "كدبة أبريل"، "الستات مايعرفوش يكدبوا".


في الحقيقة أن المتأمل لإنتاج بديع خيري الفني يجد أن اغلب ما يتم تداوله حاليا من مسرحيات أو أغاني يحمل أسم وبصمة بديع خيري، فهو بالفعل أحد أباء التراث الفني المصري، يحمله على كتفه ومعه العديد من الأسماء مثل بيرم التونسي وسيد درويش ونجيب الريحاني وغيرهم.