التوقيت الإثنين، 23 ديسمبر 2024
التوقيت 08:10 م , بتوقيت القاهرة

الكمبوشة.. صندوق "شيطنة" المسرح

"الدنيا مسرح كبير، وكل الرجال والنساء ما هم إلا ممثلون على هذا المسرح"، تلك كانت رؤية وليم شكسبير، في روايته "كما تحب" (1599م)، ونسبها البعض إلى عميد المسرح يوسف وهبي، عندما رددها في فيلم غزل البنات (1949م)، من المسرح الكبير (الدنيا)، ظهرت الصورة المصغرة لـ "أبو الفنون"؛ للتعبير والمحاكاة، بدءًا من الدراما الإغريقية سواء تراجيديا أو هزلية، ثم تطورت مع الحفاظ على البريق والرهبة التي يتحدث عنها دومًا كل فنان وقف على الخشبة في مواجهة مباشرة مع الجمهور.
عميد المسرح العربي
ما بين خشبة المسرح والجمهور "كمبوشة"، صندوق خشبي بداخله رجل يمتلك مفاتيح الممثل، الذي يضع كامل ثقته في ذلك الملقن القابع في الظل، يردد وراءه كلمات فقدها بفعل النسيان، ويتحرك وفق إشارة منه، وكأنه "يوسوس" للمشخصاتي بالإفيه، ومفتاح الدخول والخروج من المشهد، إذا جاز التعبير، بداخل الكمبوشة "شيطان" طيب. يساعد الممثلين في الوصول لـ الجنة الخاصة بهم "تصفيق الجمهور".


الكمبوشة - المشهد الأخير من فيلم إشاعة حب


في محاولات الكاتب الراحل يوسف إدريس الدفاع عن "التمسرح"، حسب وصفه، عندما أصدر مسرحية الفرافير في الستينات، والتي لاقت هجومًا نقديًا بعدما أحدث المؤلف تغييرًا في بناء المسرحية التقليدي، ذكر أن الفنان علي الكسار، كان يتعمد القافية في مسرحياته، وكان خير من يخرج عن النص ويدخل معه قافية، هو الملقن الذي أمامه في الكمبوشة.


إذا كنت من متابعي عروض مسرح مصر، تجد أن غياب الملقن في "الكمبوشة" صنع أزمة، تحولت مع الوقت إلى إفيه يضحك الجمهور، على سبيل المثل عرض "فرصة تانية"، بطل العمل أشرف عبد الباقي كان اسمه الأسطى حمدي، طول العرض لم يذكر أحد اسمه في العمل صحيحًا، ما جعل أشرف عبد الباقي يخرج في نهاية العرض، ليذكرهم باسمه في تلك المسرحية، وفي موقف آخر دخل الممثل الشاب إبرام سمير، في وقت خاطئ، ما دعا نجم العمل لتلقينه بدخوله غير المتفق عليه. 

الأمر ليس حكرًا على مسرح مصر فقط. الفنان عبدالله مشرف، عندما نسى دوره، في ظل عدم وجود ملقن لجأ إلى حيلة، كشفها الفنان محمد صبحي للجمهور. في البرنامج الذي يتضمن أحد أشكال المسرح "مفيش مشكلة خالص".

ساكن الكمبوشة الذي لم نره يومًا، مجهول عند الجمهور العادي، معروف للنجوم والفنانين، رغم المفارقة إلا إنه رمانة الميزان بين الطرفين، عن تلك المهنة تحدث شيخ الملقنين محمد زيان، في حوار مع الإعلامي خالد عليش، في برنامج نهار جديد، على فضائية النهار، دقائق على الشاشة أظهرت مواقف وطرق مبتكرة لنجوم مسرحيين، لم يرها غير الملقن.


محمد زيان - شيخ الملقنين والكمبوشة


قال شيخ الملقنين، إن الفنان محمود المليجي، كان وراء دخوله ذلك المجال، وذلك عندما طلب الملقن المحترف خمسة جنيهات شهريًا زيادة عن أجره المعتاد، وانسحب فور رفض طلبه، عندها دفع المليجي بالوجه الجديد آنذاك محمد زيان، ليصبح ملقن العمل المسرحي "المبروك"، والذي عرض عام 1972. عن شعوره لأول مرة في الكمبوشة، قال إنها كانت عبارة عن شفاط تكييف الهواء، ما اضطر الانتاج لإنزال بطانيه إليه.


المتاعب في كل مهنة، وفي العمل المسرحي "هات وخد"، عام 1985،  كانت نموذجًا لتلك المواقف التي يتعرض لها الملقنين، كان الفنان سامي سرحان، غير مرحبًا بالإفيهات التي يطلقها الفنان محمد أبو الحسن، ما جعله يحاول إسكات الملقن محمد زيان، في الكمبوشة، وسط ضحك الجمهور، وإفيهات أبو الحسن، واستمرار الملقن في عمله، اضطر سرحان لاستخدام السوط في اتجاه الملقن، الذي أكمل الفصل الثاني من المسرحية بعين واحدة، بعد إصابة الأخرى.


وعن العلاقة بين الفنان والملقن، أكد شيخ الملقنين أن مشاركته في ابتكار الإفيهات كان متاحًا له، وضرب مثالًا بمسرحية شارع محمد علي، مشيرًا إلى أن إفيهات الفنان وحيد سيف، خرجت من الكمبوشة، وعندما كان ينسى اعتمد على حيلة كوميدية ذكية، كان يضرب رأسه ويقول "يا أمه..يابا"، تلك الكلمات كانت تضحك الجمهور، بينما هي في واقع الأمر تنبيه للملقن لدعم النجم.


وحيد سيف في مسرحية شارع محمد علي