التوقيت الإثنين، 23 ديسمبر 2024
التوقيت 06:41 م , بتوقيت القاهرة

زيان.. "سيّد الارتجال" في الضحك والسياسة

كان واحدًا من أبرع الممثلين في القدرة على الارتجال، يخرج عن النص ثم يعود إليه بمرونة، دون أن تشعر أنه هذا الكلام خارج النص، هكذا بدأ دكتور كمال عيد، المخرج والأستاذ المسرحي بمعهد الفنون المسرحية، حديثه عن أحد "ملوك الارتجال" في مصر، الفنان سيد زيان الذي وافته المنية اليوم 13 أبريل 2016، عن عمر73 عاما.

وأضاف "عيد" أن زيان هو مزيج من القدرات والفروع العلمية بالفن المسرحي، إذ امتلك القدرة على التمثيل المسرحي أبو الفنون، وإلقاء الشعر على خشبة المسرح، والغناء بصوت مميز وبصمة صوت تحفظها الآذان، وكان واحدا ممن أجادوا الارتجال المسرحي وعرف متى يرتجل ومتى يلتزم بالنص.
 
قصص الارتجال في عالم ملك الارتجال سيد زيان كثيرة، نذكر من بينهم قصته مع مسرحية "سنة مع الشغل اللذيذ" سنة 1969 والتي استمر عرضها 4 سنوات، إذ اتفق أبطال العمل عدلي كاسب وإبراهيم سعفان وأبوبكر عزت مع المخرج والمؤلف السيد بدير ألا يخرجوا جميعا عن النص، وحينها تذكروا أن سيد زيان معهم في العرض، فطلبوا من السيد بدير أن يجعل "زيان يلتزم" مثلهم، وعُقد اجتماع آخر وحذر بدير زيان "إذا لم تلتزم بالنص سأنزل الستار وأنا حافظ المسرحية كلها"، فأعلن سيد زيان استسلامه والتزامه بالنص مرغما. 
 
 
لكن خشبة المسرح شهدت أمرًا آخر غير الالتزام، لأن الارتجال كان "هرمون" يُفرز بدم سيد زيان بمجرد الوقوف على الخشبة، يدخل زيان إلى خشبة العرض ويجد أمامه أبوبكر عزت ويوجه له جملة من النص "الحق يا أسطى الطيارة وقعت"، يرد سيد بجملة لا تمت للنص بصلة قائلا "ما توقع وهي بتاعتنا"، يتلوها نكتة خارج النص أيضًا، يتذكر الستار والسيد بدير فينظر إليه ويجده ممسكًا بالحبل الخاص بستارة المسرحية لكنه كان يضحك حينها.
 
ويقول دكتور كمال عيد: الارتجال الفجائي يثير كوميديا تخرج من "زيان" بشكل طبيعي غير متكلّف أو مصطنع، واستطاع بقدراته الخاص أن يطوّع كل جملة يرتجلها لخدمة النص والشخصية التي يقدمها دون ابتذال، وكان إطار المسرحية يفرض على سيد زيان شكلا معينا من الارتجال فاذا كانت لها علاقة بالسياسة فسيكون ارتجاله في هذا الإطار، وإذا كانت اجتماعية فسيكون كذلك.

كمال عيد
 
"سنة مع الشغل اللذيذ" قدمها مسرح الريحاني، الذي انضم له زيان لمدة 9 سنوات، وشهدت ارتجالات أخرى كان الفنان الراحل مفتاحها، وكانت تدور حول سقوط طائرة على جزيرة وتشكيل حكومة من ركاب الطائرة وتنصيب أحدهم رئيسا عليهم.
 
 
 
وعن فن الارتجال قال سيد زيان: ده قضية كبيرة جدا، أنا واحد من الممثلين الذين يخرجون عن النص، لكني أرى أن الارتجال قد يكون تجويدا ومقبولا بل مفيد إذا كان لخدمة الشخصية والرواية لا لخدش حياء الجمهور.
 
وشهدت مسرحية "واحد لمون والتاني مجنون"، ارتجالا سياسيا إذ خرج سيد زيان عن النص ووجه رسالة إلى جامعة الدول العربية والرؤساء، الأمر الذي كشف عنه محمد نجم، بل وحذره على خشبة المسرح مازحا "إحنا شغلنا نضحك الناس.. إنت هتعمل فيها سياسي.. هتفهم أكتر منهم"، ويطلب منه أن يلتزم بالنص كي لا يقبض عليهما عقب المسرحية، بينما يطمئنه "زيان" "يابني إن قلت ما تخافش لأنك هتعيش مرة واحدة". 
 
وعن الارتجال السياسي في مسرحياته يقول سيد زيان: أنا مش بتكلم في السياسة أنا بسيس الكلام، مثلا عندنا مشكلة المياه الملوثة في الحنفيات، بشوف إن ممكن نعرضها بنكتة أو كاريكتر ساخر أوعمل فني، أنا عايش معظم مشاكل الناس.
 
سيد زيان
 
لكن زيان بالفعل كان يتحدث في السياسة، فعلى سبيل المثال لا الحصر، كان يرى أن حل أزمة الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية في مقاطعة أمريكا وإسرائيل، مستشهدا بمقاطعة العرب لهم في حرب 1973 وأنهم تلقوا صفعة قوية بمنع البترول عنهم.

وفي لقاء تلفزيوني له بقناة "ام بي سي" وجه رسالة لأمريكا مغنيا: "كلام كلام مابخدش منك غير كلام"، وأشار إلى أن شكل العلاقة مع روسيا لن تعود كما كانت مغنيًا أيضًا: "عايزنا نرجع زي زمان قول للزمان ارجع يا زمان".

 
رحلة ثالثة من رحلات الخروج عن النص، لم تكن أجل الضحك فقط وإن كان ظاهرها هكذا كانت في مسرحية "الفهلوي"، إذ سخر وانتقد فيها زيان كلمات عدد كبير من الأغاني، بينهم أغنية فايزة أحمد "ياما القمر على الباب" قائلا "العالم وصل للقمر فوق.. واحنا موقفين القمر على الباب"، وكلمات أغنية "حبيبها" لحليم، وأغنية "ساكن في حي السيدة" لعبدالمطلب، وأغنية السد دح امبو.. وكله على كله..."، مشيرا إلى أن الكلمة هي التي تربي الأجيال".
 
 
ويشير "عيد" إلى أن سيد زيان لم يدرس بالمعهد العالي للفنون المسرحية، ورغم ذلك أجاد فن المسرح والارتجال بالفطرة، وكان أفضل من كثيرين درسوا المسرح في العالم كله، لأن هذه منحة من الله وغير موجودة بعدد كبير من الممثلين، وهنا تبرز قيمته. 
 
وفي مسرحية "القشاش" سخر "زيان" من وضع الموظفين في مونولوج له، لأنهم لا يعملون من ناحية ومن ناحية أخرى رواتبهم لا تكفيهم، بل أن العلاوت التي يحصلون عليها قليلة جدا لا تكفي ثمن "نص كيلو مشمش"، ويؤكد وهو داخل محبسه بالمسرحية إن المجتمع كله أصبح سجينا وليس من يعيش داخل السجن فقط، ويسخر من طمع كل الفئات حتى الممثلين، الذي كان واحدا منهم.