"فيس بوك" حبنا
في أغنية شهيرة، تخبرنا الفنانة شادية عن شكل الحب في عصر ما قبل ثورة الاتصالات، فتقول "مخاصمني بقاله مدة وفي ليلة الشوق نداني، كلمته سمعت حسه وقفلت السكة ثاني".
لكن شادية هذا العصر لن يمكنها أن "تسمع حسه" دون أن يظهر رقمها وحتى وإن جربت الاتصال من رقم لا يعرفه ف"ترو كولر"، لم يترك لأمثالها الكثير من هوامش المناورة. ستضطر شادية هذا العصر للاطمئنان على الحبيب بوسائل أخرى، كأن تتصفح آخر تغريداته على تويتر، ونشاطه على الفيسبوك والإنستجرام وآخر مرة كان نشطًا فيها على الفيسبوك مسنجر وال last seen على الواتساب.
لم تخسر شادية الكثير إذن. فبدلًا من "سماع حس" الحبيب. أصبح الحبيب على "الرادار" 24/7 سواء في الخصام أو الوصال. فثورة الاتصالات كانت ثورة الإتاحة، قربت المسافات وطوت الزمن وأصبح العالم على اتساعه صغيرًا وسكانه على كثرتهم مرتبطين.
لكن مكاسب شادية وخسائرها غيروا قواعد الحب. أتاحت ثورة الاتصالات مساحات جديدة للتعارف كما غيرت توصيف بعض العلاقات من المستحيل للممكن. ولم يتوقف التأثير عند هذا الحد بل امتد تأثير ثورة الاتصالات إلى تفاصيل العلاقة وتفاعلات الطرفين وتوقعاتهما.
مثلًا، العلاقة ليست جدية بما يكفي إذا لم توثق على الفيس بوك! سيعترض البعض على هذا المثال لأن هناك الكثير من المتزوجين مثلًا - والزواج أكثر العلاقات جدية! - الذين لا يذكرون حالتهم الاجتماعية (أغلبهم من الرجال؟!) على الفيسبوك. لكن هؤلاء "قلة" مهما أعجبتك كثرتهم. لعدة أسباب أولها ميكانيكية ملء بيانات الحساب ومنها الحالة الاجتماعية، وثانيها وجود الطرف الآخر من العلاقة على ذات شبكة التواصل الاجتماعي.
مهما حاولت التملص من العلاقة وإخفائها وإنكارها ما دامت جدية ستجد طريقها للتوثيق على الفيس بوك. لأن هذا التوثيق جزء من توقعات وتطلعات أطراف العلاقة (وخاصة شادية الجديدة).
ومن توقعات علاقات ما بعد ثورة الإتاحة، التفاعل. تتوقع شادية ما بعد ثورة الإتاحة تفاعل شريكها بشكل من الأشكال. كأن يعجب بصورها مثلًا وما إلى ذلك. لأن هذا التفاعل دليل على أن الشريك يهتم، كما أن هذا التفاعل طريقة من طرق التواصل غير المباشر.
ورغم أن البعض قد يظن أن تلك التوقعات تمثل عبئًا على العلاقة إلا أن بعض ظنه إثم. هي فقط عبء لو كانت العلاقة عبئا، غير ذلك فكل التوقعات تقع تحت بند توقع التواصل والاهتمام وهو توقع بديهي لأن الناس – كل الناس – تدخل في علاقات من أجل التواصل والاهتمام. لكن هذه التوقعات تمثل مشكلة حقيقية في حالات العلاقات الرمادية أو حالات اللا-علاقة.
كيف؟
تبدأ المشكلة بأن توقعات التواصل والاهتمام على شبكات التواصل الاجتماعي أصبحت جزءًا أصيلًا من توقعات العلاقات بصفة عامة. ومن ثم أصبح التواصل والتعبير عن الاهتمام على شبكات التواصل الاجتماعي يُفسر في سياق أنه تمهيد لعلاقة. في حين أنه في أغلب الأحيان لن يؤدي إلى أي شيء!
هل هذا يعني أن غرام الأصفار والآحاد غير ممكن؟
بالعكس، فالإنترنت أداة معرفة وتعارف. ولكن التواصل والتفاعل عبر الإنترنت لا يعني بالضرورة أن هناك مشروع علاقة. فمثلًا – عزيزتي القارئة – إذا قام أحدهم بطلب إضافتك على الفيسبوك وأتبع طلبه هذا بالإعجاب بكل ما تكتبين حتى وإن كتبتي "ريان يا فجل"، كل هذه الإعجابات لا تعني بالضرورة إنه "وقع في دباديبك".
وحين ينقل سيل إعجابه لرسالة خاصة، هذا لا يدلل على زيادة اهتمامه. وحين يطلب رقم هاتفك لأن "الواتساب" أسهل في التواصل هو لم يصبح قاب قوسين أو أدنى من "الشاي في الصالون". فكل هذا الاهتمام والتواصل لو دل على شيء فهو يدل على أن لديه "فسحة من الوقت"، قرر أن يملئها بك.
أنتِ في هذه الحالة لست أكثر من تسلية مجانية "جاية مع باقة الإنترنت". ربما يكون معجبًا بالفعل ولكن المعجب سيتثمر فيك ما هو أكثر من "لايك وشير ورسالة خاصة". لو كان معجبًا بالفعل ربما سيقلل من إعجابه بكل شيء وسيحاول بشتى الطرق أن يكسب ثقتك حتى يحظى بلقائك. وحتى بعد أن يحظى بلقائك، اللقاء لا يعني أنه "عريس يا أماي". فاللايك يا عزيزتي ليس أكثر من أداة "شقط"، وباللقاء يكون قد حقق الهدف!