التوقيت الإثنين، 25 نوفمبر 2024
التوقيت 06:47 م , بتوقيت القاهرة

نشطاء وأمنجية وإعلاميون

أكذب لو قلت إن الشتامين من النشطاء لم ينجحوا في غرضهم، وحولوا أنفسهم إلى قوة أساسية في المجال الإعلامي. لقد استخدموا الشتيمة والسباب بنفس الطريقة التي يستخدم بها البلطجية في الشارع الاعتداءات الجسدية. بحيث أجبروا الآخرين على خيار من اثنين. إما التفرغ للرد على الشتيمة والسباب، ولو فعلوا لانهزموا، لأن هؤلاء النشطاء بارعون جدا في السباب والشتيمة، كما أن معظمهم ليس لديه ما يخسره. أو خيار التجاهل. وفي هذه الحالة قد تتكرس الصورة الذهنية التي يشيعها النشطاء عن شخص بعينه. غالبا، شخص يخالفهم أو تخالفهم في الرأي السياسي.


كل هذا قيل من قبل، أنا عاوز أوصل لإيه؟


عاوز أوصل لتأثير هذا على الإعلام المصري. لقد صار الشتامون من النشطاء قوة غير معلنة في الإعلام المصري.


ليه؟


لأنهم غير مؤسسيين. بمعنى أنهم يشبهون ميليشيات حرب العصابات، يضربون ويهربون. لدى المواطنة فرصة لمقاضاة أمنجية الإعلام بالقانون، رغم كل المآخذ، أما النشطاء الشتامون فلا سبيل لأحد عليهم.


لقد صار النشطاء سلطة موازية لأجهزة الأمن عند بعض الإعلاميين الذين تنحصر فرصتهم في المجد والشهرة في التحول إلى أبطال على فيسبوك وتويتر.


إزاي؟


هناك إعلاميون يتبادلون مصالح مع أجهزة أمن. الأجهزة تستفيد بأن تذيع تسريبات شخصية ضد خصومها. والإعلاميون يستفيدون بالحصول على خبطات إعلامية تجلب مزيدا من الإعلانات والشهرة، التي لم يكن ليحصلوا عليها لو اعتمدوا على مهاراتهم الإعلامية وحدها.


وفي نفس الوقت هناك إعلاميون يتبادلون مصالح مع النشطاء الشتامين. الشتامون يحصلون على غطاء أخلاقي وشهرة بأن يظهروا في برامج تليفزيونية، أو يكتبوا مقالات في صحف، وتنزل عليهم ألقاب لا يستحقونها. وفي نفس الوقت، يضمن هؤلاء الإعلاميون أن لا يتعرضوا لحفلات شتيمة، كما يستفيدون استفادة مباشرة بأن يمجدوا على صفحات تويتر وفيسبوك، كرمز للنضال و"الشجاعة". خدي بالك من الشجاعة دي، علشان هنرجع لها.


هذه الصفقة بين إعلاميين (نص لبة في رأيي ولو بلغت شهرتهم ما بلغت) وبين الشتامين من النشطاء تعتمد على ركيزتين ذهنيتين أساسيتين، يسعى كلا الطرفين إلى تثبيتها.


1. لو عارضت النشطاء فأنت - بلا شك - تفعلين ذلك بإيعاز من سلطة. (مش إن دا لا مؤاخذة رأيك).


وبالتالي:


2. من الأفضل ألا تعارضي النشطاء ما دمت لن تقبضي الثمن. سيكون هذا انتحارا غير مدفوع الأجر.


لقد أفرز هذا نوعا من الإعلاميين الجبناء الذين يرتدون قناع الشجاعة. وهذا أسوأ أنواع الجبن.


طيب ما يمكن الإعلاميون دول كمان دا رأيهم؟!


يا صديقتي. الإعلاميون الذين يسكتون دائما وأبدا وأزلا على انتهاكات النشطاء لا يمكن أن يستحقوا التمجيد، إلا لو كان النشطاء أنبياء معصومين.


الإعلامية التي تغضب من "أمنجية" يسبونها في الإعلام، لكنها تستضيف في برنامجها نشطاء يسبون غيرها من الإعلاميين لا تستحق التمجيد. لأن القيمة واحدة. الشتامون من النشطاء يستخدمون نفس وسيلة الأمنجية. والأمنجية يستخدمون نفس وسيلة الشتامين من النشطاء. بالعكس، الصحفي الأمنجي فيه قانون ممكن تقاضيه بيه، أو تقاضي مؤسسته، لكن الناشط الشتام "مجرم" خارج على القانون. فانت زعلانة من الصحفي اللي شتمك، بس مش زعلانة من الناشط اللي بيشتمني إزاي يعني؟!


ربما ترين أني مستحق للشتيمة، بينما أنت لا تستحقينها. هذا موضوع آخر. مرتبط بقضية ثقافية طوييييييلة وعميييييييقة، وتدل على خلل أكبر كثيرا من خلل الانتهازية. لكن هذا المقال ليس مجالا لتناولها.


لقد استفحل النشاط وانتشر بسبب هؤلاء الانتهازيين من الإعلاميين. صار لدينا أطباء ينتهكون قواعد المهنية، ولا يبالون، بسبب قربهم من النشطاء، واطمئنانهم إلى أن قضيتهم لن "تنفضح" على فيسبوك وتويتر، فضيحة مجانية لا سبيل لمقاضاتها كفضيحة الإعلام. صار لدينا متمولون تنمويون يهدرون أموالا ويخترعون "سبوبة" ولا يبالون، بسبب قربهم من النشطاء. صار لدينا خبراء مزيفون في كل مجال. كارثة كل هؤلاء، كلهم، أنهم لا يتورعون عن تنصيب أنفسهم قيمين على "كارهم"، ناصحين لنا، بلا خجل، بسبب قربهم من النشطاء.


قال: أتدرين ما أمهر الجبن؟


قالت: لا يا فصيح.


قال: أمهر الجبن المتسربل بالشجاعة. وأمهر العهر المتسربل بالشرف. وأمهر الكذب المتسربل بالصدق.


وقيل: The Main Thing Is Honesty. If You Can Fake That, You’ve Got It Made


أهم حاجة الأمانة، لو قدرت تعمل منها نسخة مزيفة، تبقى عملت المعجزة.