هاريسون فورد يسرق أجمل لحظات Age of Adaline
الخلود وأكسير الشباب الدائم ضمن قائمة أهم وأقدم التمنيات والأحلام البشرية. ولهذا احتلت الفكرة مكانة مستمرة في المعالجات الروائية. ستجدها مثلا في رواية صورة دوريان جراي للأديب أوسكار وايلد، التي اقتبستها السينما عدة مرات. ستجدها أيضا بتنويعات مختلفة في أفلام هوليوودية شهيرة مثل Death Becomes Her 1992 - Tuck Everlasting 2002 - The Fountain 2006.
آخر مرة شاهدنا فيها فيلما مختلف نسبيا ومهما بخصوصها، كانت مع المخرج ديفيد فينشر وبراد بيت في The Curious Case of Benjamin Button 2008 المقتبس عن رواية بنفس الاسم، للأديب فرنسيس سكوت فيتزجيرالد.
في فيلم عصر آدالين The Age of Adaline المعروض حاليا للمخرج لي تولاند كريجر، محاولة أخرى لاقتباس فكرة الشباب الدائم، في إطار رومانسي الطابع بالأساس.
الأرملة الشابة آدالين باومان (بليك لايفلي) تتعرض لحادث غريب عام 1935 وهي في التاسعة والعشرين، يمنحها مناعة ضد الزمن وثباتا آبديا على نفس الحالة الشابة. حيرتها تنتهي بعزلة اختيارية وتغيير مستمر لمكان إقامتها، خوفا من أن ينكشف سرها. عقود وعقود تمر على نفس الحال، قبل أن تتورط أخيرا في علاقة جديدة تنتهي بمفاجآت غير متوقعة.
نقطة الضعف الأولى التي منعت أي تواصل عاطفي مع القصة، هي إصرار السيناريو على اعتبار هذه القدرة الخارقة نقمة من الألف للياء بدلا من أن تكون ميزة، أو على الأقل مصدرا لمكاسب جانبية مهمة. مع إصرار على تكرار عبارات على لسان البطلة من نوعية (الموت يخطف الأحباء أمامك - الحب اثنان يكبران معا وأنا عاجزة عن ذلك.. الخ). وكأن الناس العادية لا تمر أيضا بتجارب أليمة بسبب وفاة أحبائهم.
افتعال مشكلة بخصوص قدرة عظيمة من هذا النوع، ذكرتني إلى حد كبير بالأفلام والمسلسلات المصرية البائسة، التي يصمم فيها كُتاب السيناريو، أن الثراء نقمة وعذاب للأغنياء، وأن الفقر نعمة لن يتذوقوها أبدا من سوء حظهم!
الحياة 8 عقود بحالتك الشابة، لها مزاياها ومرحها بالتأكيد، خاصة مع الأحداث الساخنة في أمريكا منذ الأربعينات لعصرنا الحالي. الأكثر غرابة أن السيناريو اختار للبطلة أن تكون أم، عاشت 8 عقود وهي ترى ابنتها تشيخ أمامها، في تجربة أكثر ألما بالتأكيد من الارتباط بشخص. ومع ذلك لا تحتل هذه التجربة مساحة حقيقية في الأحداث أو في تركيبة الشخصية نفسيا. ويظهر لنا الاثنان (الأم - ابنتها) في حالتهما الحالية مباشرة دون التوغل في هذه النقطة، التي تصلح في رأيي لخامة فيلم كامل أهم وأجود.
ولأن أزمة الشخصية الرئيسية بالأساس مصطنعة، لا شىء ينقذ الفيلم. وتزداد المشكلة بسبب اختيار بليك لايفلي للبطولة. إجمالا لا يفلي ممثلة جميلة يمكنك النظر لها طوال الوقت، وتملك ملامح أرستقراطية تجعلها تبدو كفاتنة من الأربعينات أو من أي عقد تال، لكنها في النهاية لا تملك الحضور والروح البريئة الهشة، التي يتطلبها الدور.
لو تواجد السيناريو منذ 20 عاما، لظهر اسم ميج ريان ووينونا رايدر غالبا في الترشيحات. ربما نيكول كيدمان منذ 10 سنوات. لا عجب حاليا أن المرشحة الأولى للدور بالفعل كانت الفراشة الرقيقة ناتالي بورتمان. الدور يحتاج فعلا لهذا النوع من النجمات. النوع الرقيق الملائكي القادر على انتزاع تعاطفك طوال الوقت ناحية البطلة دون الحاجة لأسباب.
في المقابل يقدم ميشيل هيوزمان نجم مسلسل Game of Thrones دوره بشكل جيد، قبل أن يظهر العجوز هاريسون فورد ويسرق الأضواء من الكل بأداء صادق وحساس، منح شخصيته الحياة رغم ضعف السيناريو. أداؤه أجود ما في الفيلم، وضمن أفضل ما قدم في تاريخه عامة. ومن المؤسف أن تألقه هنا سيختفي من الذاكرة قريبا، ولن يراه نهائيا آخرون، بسبب تواضع مستوى الفيلم.
السيناريو الضعيف على كل المستويات تم تلميعه أيضا بتصوير ممتاز، وإدارة إنتاج جيدة، وفريق أزياء وماكياج نجح في صبغ الشخصية الرئيسية شكلا وتمييزها بمعالم مختلفة لكل عقد.
أما أكثر العناصر غرابة، فهي صوت الراوي في الأحداث. نبرة صوته وجديته في الأداء، تتحول إلى عنصر كوميديا غير متعمد، عندما تمتزج مع رداءة العبارات والجمل التي فرضها السيناريو عليه.
باختصار:
فكرة جيدة تم إهدارها بسيناريو سيئ وممثلة غير ملائمة، لا يستحقان أداء هاريسون فورد الممتاز، أو مجهودات طاقم التصوير والديكورات والملابس والمكياج.