ألف مشهد ومشهد (27)
بحاول قدر الإمكان أتجنب الأوصاف اللي فيها أحكام، زي: حلو، وحش، كويس، رائع، زبالة، عبقري، لا يتكرر، سطحي، عميق، نص نص، وهكذا. طول الوقت يهمني التحليل قبل التقييم، وبـ أقول لـ نفسي: التحليل هو اللي بـ يعمل التقييم، بس زي ما حضرتك عارف كل حاجة ليها استثناء، والإنسان برضه ضعيف، خصوصا قدام حاجات زي المشهد الوهمي اللي فتح بيه عز الدين ذو الفقار فيلم "شارع الحب".
الراجل عمل حاجة هو عايز يعملها، ضحك من الودن لـ الودن، تعاطف بلا حدود مع كل شخصيات المشهد، تقديم لـ بطل الفيلم الحقيقي (فرقة حسب الله عماد شارع محمد علي)، جذب انتباه للي جي من الفيلم، مع سِنة تشويق.
بـ نشوف حسب الله السادس عشر واقف بـ كل شموخ، في بدلته العسكرية، وبرنطيته اللي شبه برنيطة بونابرت، واقف زي ما يكون بـ يخطب في ميدان الحرب: أناااا، حسب الله السادس عشر، ويبدأ يعدد مجد أسرته، لـ حد ما يكسر الصورة دي حبة حبة، ونكتشف إن الشموخ ده في الحقيقة على مفيش، وإن الفرقة دي غلبانة قوي، بـ تكمل عشاها نوم.
بـ يبدأ الكسر من إن الفرقة العسكرية دي، فرقة حسب الله، غزت ميادين العالم من ميدان الحسينية لـ ميدان المدبح (الإيفيه اللي خده اللمبي في "اللي بالي بالك" بتاع التشرد الأطفالي ظاهر عالمية)، ثم نفتح الكادر فـ نكتشف إن البدلة العسكرية على بنطلون بيجاما كستور، ونبدأ نتعرف على أفراد الفرقة، اللي اختارهم ذو الفقار يمكن أكتر الشخصيات "فقر" في تاريخ السينما: رياض القصبجي، وعبد المنعم إبراهيم ومحمد يوسف، ودول هـ ييجي عنهم كلام تفصيلي طبعا، معاهم أحمد الحداد، مونولوجست متواضع، والخواجة بيجو.
فؤاد راتب الشهير بـ الخواجة بيجو، ده ممثل دخل التمثيل من باب برنامج "ساعة لـ قلبك" الإذاعي، واخترع شخصية الخواجة، اللي كان بـ يطلع علشان يضحك عليه الفشار أبو لمعة، والخواجة ده كان اسمه "بيچو مسفريتو كطليانو بستانو أرسيانو جندوفلو كوكاچ باولو باسطاولو بولو بينو فينو بيچو".
فؤاد راتب بلديات عبد الحليم، وجيرانه من أيام الشرقية، وما طلعش أبدا بره شخصية الخواجة بيجو، وكان بـ بشتغل في اتحاد الصناعات، وكانوا مهووسين بيه في الخليج، فـ لما حصلت النكسة جابوله عقد في التلفزيون الكويتي، وفضل هناك.
المجموعة دي ملامحها بـ تبان ثانية بـ ثانية، من أول ما يعترض حسب الله السادس عشر على جوازه من سنية ترتر (زينات صدقي)، فـ تدلق عليه حلة الملوخية (ما تبسطهاش أكتر من كده) وتقف تشردح له (يا مُهدَى إلى الحديقة يا وارد أفريقا)، فـ يتجمعوا على حلة الملوخية، وتحصل حاجة أنقح من دلق الملوخية، إن رياض القصبجي يطلع من جيبه رغيف، أنا الحركة دي بـ تقتلني الحقيقة، ويلحسوا الملوخية من "راس الفن".
الألطف هو موقف حسب الله نفسه، تأمله كده، مر بـ كذا مرحلة في عشرين ثانية:
أولا: مرحلة إنكار إن ده بـ يحصل لي، وإحساس المفاجأة.
ثانيا: اتنقلنا من المفاجأة لـ القرف والاشمئزاز من الحالة اللي بقيت فيها.
ثالثا: تآلف مع الموضوع، وعادي إن فيه ناس واقفين يلحسوا ملوخية من راسي، وأنا عادي بـ أتكلم أو ساكت.
رابعا: وده الأهم، إنك لما بـ تعدي من المراحل دي بـ "سلام"، بـ يبدأ التكيف يتنقل لـ مرحلة الاستمتاع، والتلذذ، لـ درجة إنه يبدأ ياكل معاهم، بعد يدوق حتة كده بـ طرف لسانه، فـ يحس إنه عادي، وفيها إيه؟ لأ عادي إيه؟ ده لذيذ، ده حلو، وكل ده ما يخليهوش يتنازل أبدا أبدا أبدا عن إحساسه بـ إنه حسب الله السادس عشر.
أومال فين عبد الحليم؟
فين صباح؟
في الحلقة الجاية.