التوقيت الثلاثاء، 26 نوفمبر 2024
التوقيت 01:01 ص , بتوقيت القاهرة

ليه تروح السينما والواقع مليان أفلام؟

"السينما بتشوه الواقع والا الواقع هو اللي بيشوه السينما؟".. سؤال من نوعية "البيضة الأول ولا الفرخة"، فالبعض يرى أن السينما انعكاس لما يدور في الواقع، فيما يرى آخرون أن الواقع يتأثر بما تقدمه السينما، لذا فإن المبالغات السينمائية تتسبب في تشويه الواقع.. وبناء عليه تعرض عدد كبير من صنّاع السينما لاتهامات بتشويه الواقع وقت عرض أفلامهم فوصل الأمر لمطالبات بمنع هذه الأفلام من العرض.


وتعرضت السينما مؤخرا لموجة من الهجوم، لما تقدمه من موضوعات تكشف قليلاً من التحولات التي حدثت بمجتمعات ثورات الربيع العربي، نتيجة الانفلات وغياب رجال الأمن عن الساحة، رغم أن هذه الأحداث تبرز حالة الانفلات الأخلاقي، والعبث التي نعيش أحداثها إلى الآن.


فما بين دموية فيلم "إبراهيم أبيض" للكاتب عباس أبو الحسن، وعنف أفلام "محمد رمضان" انعكاس يرصد حال الشارع، وهو ما يظهر بشكل واضح في حوادث العنف التي تتصدر صفحات الحوادث بالجرائد المصرية والعربية، وهذه الحوادث تكشف تجاوز الواقع الحالي لما تم تقديمه علي شاشة السينما بمراحل عدة.



ومن الدماء والعنف إلى التربية والتعليم، ولعل خيال "علي سالم" مؤلف مسرحية "مدرسة المشاغبين"، لم يخنه حينما أبرز محاولة الطلاب التعدي على مدرستهم داخل الفصل، إلا أن هذا الخيال تسبب في هجوم شديد على المسرحية استمر حتى وقتنا هذا، وتم اتهامه هو وأبطالها بتشويه الواقع المصري "البريء" وتحريض الطلبة على الفساد.



واختلف الواقع قليلا واستبدل الفصل بلجنة امتحانات لمادة التربية الدينية أو مدرس التربية الدينية الذي تحرش بـ 12 فتاة في عمر الزهور بمحافظة الفيوم.



ورغم إيمان الكثير منا بأننا نعيش داخل مجتمع "متدين بطبعه"، يرفض مناقشة الأمور الجنسية في السينما، ويهاجم الأعمال التي تطرقت لجزء بسيط من هذا الأمر، كما حدث على سبيل المثال مع فيلمي "مذكرات مراهقة" لأحمد عز وهند صبري و"حين ميسرة" لسمية الخشاب وغادة عبدالرازق، رغم أن الواقع المصري يرصد حالات عديدة في هذا الشأن تجاوزت أيضا خيال مؤلفي هذه الأعمال، كما حدث في واقعة العائلة التي تمارس الجنس بين أفرادها، وحوادث تبادل الزوجات وواقع ممارسة الجنس داخل أحد المساجد بمنطقة الزاوية، إضافة إلى ظاهرة "العناتيل" التي غزت المجتمع المصري، وغيرها من الحوادث التي رصدتها صفحات الجرائد خلال السنوات الأخيرة.



كما رصد فيلم "السفارة في العمارة"، عددا من الأحداث السياسية التي نعيشها الآن ومنها فكرة المعارضة من أجل المعارضة دون وعي، وكذلك محاولة المتظاهرين لاقتحام السفارة إلا أن خيال الكاتب يوسف معاطي توقف عند فشل المتظاهرين وتفرق المظاهرة.



ونجح ذلك علي أرض الواقع وفشل الأمن في حماية السفارة من المتظاهرين الذين نجحوا في اقتحامها.



ورغم إنكار المجتمع ورفضه لوجود المثليين أو مناقشة قضاياهم، وهو ما جعل عدد من الأفلام منها "عمارة يعقوبيان" و"أسرار عائلية" عرضة للمسائلة القانونية، ورفع عدد كبير من القضايا على صناعها، إلا أنه بقياس عدد القضايا التي تتناولها صفحات الجرائد، وآخرها طليق فنانة شهيرة تم إلقاء القبض عليه بعد اعتراف خادمه بعلاقاته، وكذلك وقائع المتحولين جنسيا التي تم تناولها إعلاميا، وأصبح المجتمع أمام واقع عليه إدراكه والتعامل معه.



كما اعترى فيلم "هي فوضى" حالة من الانقسام في الرأي ما بين مؤيد ومعارض لشخصية "حاتم" أمين الشرطة المرتشي، الذي يستغل سلطته ويضرب بالقانون عرض الحائط، وهو ما وافق عليه البعض وطالب بتغيير سياسة تعامل الجهاز الأمني، وتعامل معها آخرون بمبدأ الإنكار ومشاهدتها كنوع من التشويه المتعمد ورفضوا اعتبارها حالة يجب دراستها والتعامل معها لتلافي سلبياتها.



ورصدت السينما حال المجتمع المصري وتعايشه مع الإرهاب الذي يتعرض له في رائعة السيناريست وحيد حامد والفنان عادل إمام "الإرهابي"، والتي رصدت عنف وطرق تفكير التيارات المتشددة، وهاجمها البعض واعتبروها تجاوزا في حق الجماعات الدينية، إلا أن صندوق المتفجرات الذي ظهر في الأحداث ظل طوال الفيلم في موضعه ولم يستخدم، بعكس الانفجارات المتعددة التي نحاول التعايش بينها، ولم يقم المؤلف باستخدام الانفجار لبشاعة نتيجته وقبح فكر مرتكبه، رغم رصده وتخيله لصورة واقعية لطرق اغتيال كل من يرفض الفكر المتطرف الذي نراه الآن بشكل واضح في المجتمع.



ولم يتوقع كثير من صناع السينما حالة الفوضى الإعلامية والدينية، التي شاهدناها على العديد من القنوات الفضائية، واكتفى عدد منهم بالتحذير من خطورة الفكر المتطرف للمشايخ الذين حرضون علي العنف والدماء ويغالون في التشدد، ويتاجرون بالدين علي الفضائيات.



ومن الفضائيات للمستشفيات لم يختلف الأمر كثيرا، فالفوضى والعبث هما شعار المرحلة التي عجز خيال مؤلفي أفلام "الدنيا علي جناح يمامة" الذي قام ببطولته محمود عبدالعزيز وميرفت أمين، و"أولاد الغضب" الذي قام ببطولته نور الشريف ويسرا، أو "خللي بالك من عقلك" بطولة عادل إمام وشيريهان، في الوصول لجزء من الواقع المرير الذي نعيشه، ولم يتجاوز خيال مؤلفي هذه الأفلام فكرة محاولة خروج المريض من المستشفى أو تهريبه على أقصى تقدير، حيث تجاوز الواقع هذه الأفكار بما قامت به إحدى مستشفيات الصحة النفسية مؤخرا، بـ "إلقاء مريض في القمامة على سبيل الخطأ".



نهاية، لا يمكن للسينما أن تنفصل عن الواقع الذي نعيشه أو تقدم صورة مغايرة لأحداثه بأي حال، فهي مرآة أو انعكاس لصورة مصغرة من المجتمع الذي تتناوله أحداثها، وعلينا العمل على الارتقاء بالمجتمع لتختفي مثل هذه النماذج والأحداث السلبية من الشاشة.