نَصيحتين في الراس توجع
من أغرب الناس اللي ممكن تقابلك هما المعارِف اللي بيتبرَعوا بتنظيم حياتك بالطريقة اللي تعجبهم... تبقى لسة يا أخي مقابل الشخص أو الشخصَة من دول يادوب أول إمبارح.. ولا تعرف عنهم ولا يعرفوا عنك أي حاجة خالص مالِص.. وفجأة وبدون أي مقدمات تلاقيهُم طلقوا عليك سيل من النصايح مالهاش أول من آخر.. نصايح نصايح نصايح عن أي حاجة وكل حاجة.. علاج تلاقي، أزياء تلاقي، تغذية مايضرش، تعليم ومالوا، وتمتد النصايح وتنتشر وتتوغل لتشمل ترتيب بيتك وساعات نومك وتربية ابنك وطريقة سواقتك وتسريحة شعرك و.. و...
لو استذوَقت واديت ودنك لكل النصايح اللي بتسمعها من الناس اللي أنت بالعافية فاكر أساميهم.. حتلاقي نفسك محتاج تخلَق نفسك من أول وجديد عشان تنول رضاهُم السامي.. (على أساس إن رضاهُم هو أقصى أمانيك مثلاً!!).. طبعاً مش بتكلم عن نوع النصايح اللي الناس بتقولها لبعض كنوع من تبادل الخبرات الحياتية.. واللي بتسيب لك الحق فى اختيار تطبيقها من عدمُه.. لكن أقصد الناس اللي بتحاول بكل غتاتة إنها تفرض عليك خبراتها الحياتية على إنها النموذج الأعظم اللي البشرية جمعاء لازم تحتَذي بيه.
وبناء عليه ما بيصدَّقوا يصطادوك عشان يتحفوك بنصايحهم الغالية اللي أنت ماطلبتهاش أصلاً... ومهما حاولت تشرح لهم بذوق إن النصايح دي مش مناسبة لذوقك أو ظروفك أو قناعاتك أو أسلوب حياتك.. لا يمكن ده حيمنع أي ناصِح وناصحَة من محاولات فَرض نصايحُه اللعينة.
قابلت جارتي الجديدة مدام "سامية" على باب الأسانسير.. بابتسامة لطيفة عرفتني بنفسها ورقم شقِّتها.. رديت عليها بابتسامة ألطف:
أهلا وسهلا.. اتفضلي
طب حاجي دقيقتين بس عشان الولاد على وصول من المدرسة
(الحقيقة إني كان قصدي اتفضلي ادخلي الأسانسير مش اتفضلي تعالي معايا البيت بس ما علينا).. السِت دخلت البيت وقبل ما تاخُد نفسها ابتدت الحوار:
- ساكنة هنا من زمان؟
- بقالي حوالي عشر سنين.
- أصلي مش بشوفك تنشُري غسيل خالص.
- غسيل؟!
- أيوة مش بتنشُري على الشباك.
- ما شاء الله.. حضرتك لسة جاية أول إمبارح ومتابعة تفاصيل شبابيك الجيران؟!
- أوعى تكوني بتستعملى المُجفِف.. لازم الغسيل يشوف الشمس.
- ماهو لما بيشوف الشمس بيتردِم تراب ولازم يتغسل تاني قبل ما يتلبِس.
- لا لا لا لا نفَضيه وخلاص.. أنا عُمري ما استعملت المجفف.
- الأنتريه ده لازم يتغطى عشان مايتبَهدِلش.
- أصلي مش بحب منظَر الكراسي المتغطية.. بتحَسِسنى إني قاعدة في بيت الأشباح.
- لا لا لا لا.. غَطيه طبعًا.. أنا عمري ما سيبت العَفش كده للبهدَلة.
- معلش أنا أعِز البهدلة زي عينيا.
- ما شاء الله دي صورة ابنك؟
- أيوة بس قديمة... من 4 سنين.
- شكله كان في رحلة.
- أيوة كان في معسكر في أسبانيا.
- أوعى تكونى بتسفَريه لوحدُه... غلَط غلَط غلَط
- بالعكس السفر من غير الأهل بيعلم الاعتماد على النفس.. وعموماً كان معاه مُشرفين أكبر منه
- لا لا لا لا.. لازم تسافري معاه طبعًا.. أنا عمري ما أخلي الولاد يسافروا لوحدهم.
- (فى سِرّى: اللهم ما طوِّلك يا روح)... ولادِك بقى وانتى حرة تربيهم بالطريقة اللي شايفاها صَح... ولا إيه؟!
- إيه ده؟ هو إنتى مغيرة مكان باب المطبخ؟
- أيوة ماحبيتش إن الباب يبقى ناحية الريسبشين.
- إزاى تعملي كده؟ حد يفتح باب المطبخ ناحية الأنتريه؟؟!!
- ده مش أنتريه دي أوضة مكتب.
- لا لا لا لا.. المكتب والمكتبة يطلعوا هنا.. وتستغلى الأوضة دي إنتريه... وماتنسيش الكنبة اللى بتتقلب سرير.. أنا عاملة كده عندي.
- معلش أنا مستغلاها بالطريقة اللي تناسبني.
- شكلك بتشتغلي.
- أيوة.
- حرام عليكي بجد يا أميرة... ويهون عليكي ابنك؟!
- لأ اطمني مش بطفي فيه سجاير ولا حاجة!
- أصل للأسف الأولاد هما أول المُتضررين من شُغل الأم.
- يا ستي مفيش ضرر ولا حاجة... الموضوع بيحتاج تنظيم وقت مش أكتر.
- لا لا لا... أنا عمري ما فكرت أشتغل واسيبهُم.
- (في سِرّى: خسارة والله عَنبر الخِطرين فايته باشسَجَّان مثالي)... معلش أنا حابة دور السِت القوية المفترية.
- ههههههههههه إخص عليكى إنتى زعلتي؟
- لأ أبداً... بس الدنيا أذواق وظروف ووجهات نظر وكده.
- تعرفي إن الشَعر القصير حايليق عليكي أكتر؟
- هما الولاد بييجوا من المدرسة الساعة كام؟
- صحيح فكرتيني لازم اقوم زمانهم على وصول.
- (أقف في ثانية)... طيب فرصة سعيدة.
- هى الستاير دي مش بتعاكسك في فتح الشبابيك؟
- هو حضرتك داخلة موسوعة "جينيس" لأكبر عدد من النصايح في أقصر وقت ولا إيه؟
مش بقول لك زعلتي... يا بنتي النصيحة واجبة.
أيوة هو بس لسة فيه تسعتاشر شقة فى العمارة... ولازم ينوبهم من النصايح دى جانب...
(شِم شِم) إيه الريحة دي؟ إنتى حاطة مُعَطر للجوّ؟
(بغيظ)... لأ ده شياط.
بلاش المُعَطر صدقيني بيجيب حساسية.
ممكن أسأل حضرتك سؤال؟
طبعاً يا حبيبتي... عايزة تسألي على مُعَطر طبيعي للجوّ؟
لأ... عايزة أسأل إذا كانت ماسورة النصايح دي ليها مَحبَس!!