ألف مشهد ومشهد (21)
عالم سعيد مهران، البني آدم، كله سجن.
كمال كريم، مدير تصوير "اللص والكلاب"، لعب دور كبير في تصدير الإحساس ده، مفيش مكان تقريبا في الفيلم إلا وفيه قضبان؛ هـ نلاحظ إن كل الأبواب والشبابيك ودرابزين السلالم، غالبا حديد، ونادرا خشب، لكنها في النهاية بـ تتقدم كأنها قفص في محكمة، مفيش أي فرق بينها وبين القفص اللي ظهر فيه سعيد أول مرة، والقاضي بـ يحكم عليه. كأن الحكم ده كان بـ السجن جوه ذاته مدى الحياة.
تصوير الأبيض والأسود ساعد كريم كتير في تصدير الصورة دي بـ استغلال ظلال كل العناصر دي على الجدران، راقب سعيد وهو طالع أي سلم، وشوف الإضاءة على الحيطة مخلية درابزين السليم قد إيه متطاول وصارم.
السجن، اللي هو زنزانة وكده، كان المكان الوحيد اللي ما فيهوش إحساس السجن في الفيلم، علشان كده ما قدمهوش كمال الشيخ بـ صورة واقعية، مفيهوش مرمطة السجن، والبهدلة من السجان، بـ العكس، كان مثالي في كل حاجة، حتى الصحبة فيه من المساجين التانيين كانت عظيمة.
بـ نشوف هنا الرائع صلاح منصور، وهو بـ يلعب دور الحرامي الطيب، الغلبان، الراضي بـ نصيبه، المتآلف مع السجون، وحافظها سجن سجن. منصور مش بـ يفكر، ومش عايز يفكر، ومش مشغول بـ أي حاجة، غير إنه ازاي يزق الأيام علشان تعدي، باسم طول الوقت، رفيق وزميل نموذجي.
ده يودينا لـ فكرة أساسية في الفيلم: نقد الأخلاق والأخلاقيين.
الشخصيات "الطيبة" هنا هم: طرزان صاحب البار (صلاح جاهين)، ونور (المومس)، والسجين (النصاب)، دول اللي بـ يعملوا الخير والحق والجمال، دول اللي بـ يساعدوا من غير ما يستنوا المقابل، دول الجدعان الأوفياء، دول المليانين حب.
في المقابل، الظابط والصحفي والمخبر والممثلة والصيدلي وحتى ابن الذوات نماذج مليانة "شر" وحقد وغل.
دول اللي بـ يدوروا على مصلحتهم وبس، دول اللي مستعدين يدوسوا على أي حد علشان أي حاجة، ولو قلشة أو مقلب، دول الزياطين، دول "الكلاب".
ومن عجايب الأمور إن الكلاب هي اللي بـ تمتلك الخطاب الأخلاقي، هي دورها في المجتمع الحفاظ على "القيم" اللي هم بـ يصدروها، سعيد هو اللي بـ يفصل البدلة الميري للشاويش في السجن، ويقول له إن البدلة دي نتيجة إنه بـ يقبض ع اللي زيه ويحبسهم، فـ الشاويش يرد بـ بساطة: احمد ربنا إن علمناك صنعة علشان يبقى لك "قيمة"، السلطة هي اللي بـ تعمل "القيم" والقيمة هي الصنعة، بس إيه صنعة السلطة؟
حماية الخونة رؤوف علوان ونبوية وعليش.
فيه دور في الفيلم ده عمله العملاق عدلي كاسب، اللي في وجهة نظري تالت أقوى ممثل في تاريخنا بعد المليجي وأحمد زكي، الراجل ده مش ممكن، ولينا عنه كلام كتير، بس هنا كاسب بـ يلعب دور الصول حسب الله، اللي بـ يحفظ الأمن في الحارة، وينصر عليش على سعيد بـ دم بارد، مع أن الاتنين حرامية، بس عليش "ظاهريا" ملتزم بـ قواعد اللعبة اللي السلطة حاطاها، لكن سعيد ما نجحش في الحفاظ على القواعد دي، يبقى سقط ومالوش حقوق.
واحد من أهم أفكار اللص والكلاب نقد دولة يوليو، اللي اهتمت بـ الشكل على حساب المضمون، علت "الخطاب" ووطت "القيمة"، دولة الأفندية أصحاب الأفكار المثالية والممارسة المنحطة. اللي في كل لحظة بـ يكسروا قوانين الإنسانية، بس هم محترمين لأنهم على قانون الدولة، وزي ما قال عليش:
"ده القانون يا نبوية
والقانون نغمه بياتي
وبعد القانون ييجي المأذون
وست الستات تتجوز سيد الرجالة"
نبوية ست الستات، وعليش سيد الرجالة!
يا أخي .........