التوقيت الجمعة، 22 نوفمبر 2024
التوقيت 05:14 م , بتوقيت القاهرة

وأخيرا دستوبيا هوليوودية ناضجة في Snowpiercer

أفلام عديدة أنتجتها هوليوود مؤخرا ويمكن تصنيفها كـ دستوبيا (أدب المدينة الفاسدة). المصطلح اليوناني النقيض لليوتوبيا (أدب المدينة الفاضلة). وكما خمّنت من كونه النقيض للعالم المثالي المتكامل المتحضر الخالي من المشاكل والنزاعات والمرض، فهو مصطلح يشير إلى عالم مأساوي يعاني العديد من الكوارث، وتتجرد فيه المجتمعات من التحضر السلوكي في ظل فوضى تامة، أو حياة بائسة تحت سيطرة أباطرة وحكومات شمولية تستعبد البشر.


فيلم Snowpiercer أو ثاقبة الجليد، للمخرج الكوري بونج جون هو، أحد النماذج الاستثنائية الجيدة والناضجة جدا لهذه النوعية، مقارنة بأعمال هوليوود الأخيرة التي تناول أغلبها الفكرة بسطحية وبقدر من الرخص. 


Trailer


الأحداث في عام 2031 بعد مرور 18 عامًا على تجربة كارثية لعلاج مشكلة الاحتباس الحراري، انتهت بعالم متجمد، انقرضت فيه كل الكائنات، وتبقى فيه من البشر مجموعة محدودة تعيش داخل قطار باسم ثاقب الثلج، يتحرك في دورة أبدية. 


الصفوة في مقدمة القطار ويحظون بخدمات وحياة أفضل، بينما يعيش الباقون حياة بائسة في الذيل تحت سيطرة أمنية، إلى أن تبدأ ثورة يحاول فيها سكان الذيل السيطرة على القطار.  


يتمتع الفيلم المقتبس عن رواية كوميكس فرنسية باسم Le Transperceneige  صدرت عام 1982 بشخصيات تتطور باستمرار بمرور الأحداث، ويطرح قرب النهاية أسئلة فلسفية ذكية، يندر أن تجدها في عمل هوليوودي يملك أيضًا كل الخصائص التجارية لأفلام الخيال العلمي الحالية (أكشن - مؤثرات بصرية - طابع بوليسي).



المجتمعان النقيضان مستقبلا فكرة غير جديدة على الخيال العلمي، وستجدها مثلا في تحفة الأديب هـ. ج ويلز الشهيرة آلة الزمن الصادرة عام 1895، لكن على العكس من الرؤية الأحادية المعتادة للمجتمعين (أبيض وأسود - خير وشر)، يتركك سيناريو الفيلم مع مجتمعين رماديين على كل تباينهما.


النضج في تناول الشخصيات والأبطال كبشر لهم خطاياهم ونقاط ضعفهم، صفة لن تجدها في أعمال دستوبيا المراهقين الناجحة حاليا وعلى رأسها (The Hunger Games - Divergent)، التي تصبغ أبطالها بصفات بطولية مثالية.


اقرأ أيضا: تباين إلى الأسوأ في Divergent


هنا وحتى مع شخصية البطل كيرتس الذي يقوم بدوره كريس إيفانز - نجم سلسلة Avengers  في دور البطل الخارق كابتن أمريكا - أمامنا بشري آخر له خطاياه ويعاني باستمرار في اتخاذ قراراته.



إيفانز رغم أدائه الجيد يظل للأسف ضمن عيوب الفيلم، بسبب قوامه الرياضي الضخم المتعارض مع شخصية رسمها السيناريو لشخص عادي، يملك العزيمة والغضب لتحقيق هدف، لكن لا يملك فعليا عناصر تفوق لتحقيقه. وعلى العكس منه يلمع العجوز جون هيرت، والنجمة تيلدا سوينتون في دورين مهمين أصغر، استفادا جدا من وجودهما. 


نظريا تفرض طبيعة مكان الأحداث (عربات قطار)، قيود عديدة من حيث مساحة الكادر ومكان الكاميرا، لكن نجح المخرج مع فريق الإنتاج والديكورات في تحقيق استفادة عكسية من هذه القيود، وخلق منها حياة كاملة خانقة مضطربة داخل كل عربة.



فقط عندما تخرج الكاميرا لتصبح خارج القطار، تفقد الصورة الكثير من قوتها وحدتها بسبب المستوى المتواضع  للجرافيك. 


استفاد الفيلم أيضًا من قرار صناعته بتصنيف R الذي يسمح بمساحة عنف ودم أكبر. الإفراط الدموي هنا ليس مجرد كليشيه استعراضي أو عنصر تجاري. الدم هنا ضروري بصريا ودراميا كإطار حيوي وديناميكي لصراع نوعين من البشر، لم يعد أي منهما يملك بديلا عن سفك دم الآخر لضمان حياته. 


مسار الأحداث (بطل يقود متمردين للتوجه من ذيل القطار إلى المقدمة)، وظفه المخرج للغة سرد بصرية ممتازة، بتوظيف الاتجاهات للدلالة على القرارات والنوايا والأفعال. عندما ينظر البطل أو يتوجه إلى يمين الصورة، تعرف ببساطة قراره خلال أزمة بالاستمرار، والعكس صحيح عندما تُجبره التحديات على التراجع. اللعبة البصرية البسيطة جدا والشبه بدائية، حلت محل الحوارات كلغة سرد أكثر ثراء وإيجازا.



وعلى عكس البناء الدرامي السائد والمتوقع عادة في هوليوود لأفلام المغامرات، يملك الفيلم بعض المفاجآت المشوقة والحوارات الحادة، ويخرج أحيانا عن نطاق توقعاتك.


وسط أعمال الدستوبيا الجيدة الأخيرة، لايملك Snowpiercer  تفاعل عاطفي يقارن بـ Interstellar، أو إبهار  Dawn of the Planet of the Apes  أو مصداقية وقوة شخصيات  The Road 2009  لكن يظل نموذجا نادرا وذكيا، لفيلم يسير بانضباط على قضبان كل قواعد هوليوود التجارية، دون أن يتحول لنسخة كربونية مكررة من غيره.


اقرأ أيضا: لماذا أصبح Interstellar الأول في مصر 2014 رغم كونه العاشر عالميا؟



باختصار:
المخرج  الكوري "بونج جون هو" صنع في أول محاولاته الهوليوودية فيلم دستوبيا وخيال علمي جيد وذكي، يوظف فيه الأكشن والإثارة لسرد قصة مشوقة، بدلا من أن يصبح مجرد أداة لخدمة الأكشن على الطريقة السائدة في هوليوود.


لمتابعة الكاتب