التوقيت الإثنين، 23 ديسمبر 2024
التوقيت 12:54 م , بتوقيت القاهرة

الست المصرية.. ما بين كيت ميدلتون وياسمين النرش

أذاقها الحمل الأمريّن، نحافتها وضعفها الشديدين، وكونه الأول أيضا، ولكن ذلك لم يمنعها أبدا من "اللف" على الكوافيرات ومراكز التجميل، في سبيل وسيلة تبقي شعرها على جماله أثناء الولادة، نعم أثنائها وليس بعدها، كانت تخشى أن يرافقها زوجها الذي تعشق فيراها على نحو غير الذي اعتاده، لا أعرف لو أنها وجدت غايتها أم لا، و لكنني أذكر جيدا كيف روت لنا أختها تحاملها على نفسها وصبرها على آلام الوضع كي لا تصرخ، ولم تصرخ فعلاً، وهو أمر لو تعلمون عظيم، كي تبقى أميرته الرقيقة كما كانت مذ عرفها، وكان لها ذلك فعلا.


بالله عليكم، ألا تستحق "يسرا" ضعف الاحتفاء الذي حظيت به كيت ميدلتون؟



(1)


ربما لن أتخلص أبدا من تلك العادة اللعينة، ذلك التوهان في وجوه الناس، أمارسه منذ سنوات، صحيح أنه يضيف إلى رصيد خبراتي الكثير، ويعطِني الكثير من المفاتيج لأبدأ مقالات وحكايات، لكنه- وذلك في الأغلب -ما يأخذ من كرامتي كثيرا، حين تنظر إليّ إحداهن وتتمتم سرا، يا سِم.


كنت قد تأقلمت مع روائح العرق والطبيخ والتوم والبصل منذ فترة، لكنني اكتشفت حين جلست أمامي أنه لا أسوأ من رائحة "زيت شعر دابر أملا" التي فاحت منها على نحو لا منطقي ولا يصدق، أشياء عدة جذبتني إلى وجهها غير الجذاب على الإطلاق، في منتصف الأربعينات على ما أظن، عادة ما أتجاوز عن "القَشَف اللي تُخن قشرة البطيخ"، الذي يرتبط لسبب مجهول بتلك المرحلة العمرية، وأتجاوز معه عن "شرابات منسلة" وأزياء جار عليها الزمن وأكل وشرب، لكن ما لم أستطع تجاهله، هو نوع الكحل المستخدم في "رسمة حواجبها"، ولا السبب الفضائي الذي دفعها لرسم عينيها بصورة فرعونية، امتدت فيها خطوط الكحل- أقسم بالله- إلى تحت طرحتها، وإلى حيث لن أعرف أبدا، كل ذلك وغيره، جعلني أتساءل، كيف يشعر زوج هذه السيدة حين تطل نانسي عجرم عبر شاشة التلفزيون، أو حتى نادية الجندي؟


لم يطل تفكيري، إذ أنني سرعان ما عاتبت نفسي، وهمست في سري وأنا أستغفر .. وحده ضيق ذات اليد يفعل ذلك في الناس، إنه الفقر يا مُنى.


(2)


هل يدفع الفقر أيضا النساء هنا لاقتناء "العبايات السودا" دون غيرها ؟ هل هي مصادفة، هنا شابة ترتدي واحدة تميز سوداها بصعوبة من فرط الترتر، وتلك أخرى زينها الدانتيل أو ما شابه، وثالثة جمعت بين عدد من الألوان الفاقع لونها ولا تسر الناظرين، ورابعة وخامسة، وما بين شابات وسيدات وعواجيز، تعددت المراحل العمرية، و"العبايات السودا" واحدة.


اكتشاف آخر ربطت بينه وبين ذوات تلك العبايات، تلك الطرقعة اللعينة التي إن بدأت لا تنتهي أبدا، ثم أتبع ذلك ملاحظات عدة، كذلك الموبايل الذي استقر في الطرحة من أجل "تشويح" أفضل أثناء الحديث، والتذكرة التي استقرت هي الأخرى في الجانب الآخر من الإيشارب، الذي بدا وكأنها خزنت فيه تموين شهرين، ذلك كله تضاءل، يوم صدمت صدمة عمري، وصادفت إحداهن وقد أضافت إلى ذلك النموذج لمسة سحرية- من شغلانة الساحر وليس من لفظة ساحرة أي جميلة- إذا رسمت خطين عريضين على نحو غير منطقي بالنسبة لكوننا بشرا، "قال يعني حواجبها" بلون نبيتي فاقع !


نبيتي يا ظالمة يا مفترية يا بنت اللذين!


لكن لم يطل تفكيري، إذ إنني سرعان ما عاتبت نفسي، وهمست في سري وأنا أستغفر.. وحدها البيئة المحيطة المشهوهة، تشوه أذواق الناس ونفسياتهم، إنها البيئة يا مُنى.


(3)


لست من هؤلاء اللاتي "يطلعن القطط الفاطسة" في خلق الله، وكما تقول الأغنية "بحب أقول للحلو يا حلو في عيونه"، وكانت حلوة وعليّ أن أعترف، ترتدي من الملابس ما غلا ثمنه واشتهرت "ماركته"، طلتها رائعة كنجمات السنيما، ولكنّها ما أن تكلمت، حتى أصابتني صدمة عصبية حادة، لم أنسها على الرغم من مرور نحو ثمانية سنوات.


الأخت، لا تقول كلمة إلا وأتبعتها بلفظ لن أضحي بمساحتي الأسبوعية في سبيل ذكره، الجميع عندها ابن.. والأشياء كلها.. تمتلك كمية مفردات "أبيحة" مهولة، تصلح لوصف كل شيء، وكل شخص، وكل موقف !


مؤخرا، لم تعد دينا صدمتي الوحيدة، بل لم يعد الموضوع صادما أصلا من فرط ما تعودت، صارت واحدة من كل إثنين من بنات "الهاي كلاس" تملك قاموسا مشابها بل وأكثر تطورا، وصرت أتعامل معهن على أساس، قل لي بتشتم إزاي، أقل لك من أنت.


لكن لم يطل تفكيري، إذ إنني سرعان ما عاتبت نفسي، وهمست في سري وأنا أستغفر.


بقولك أيام سودا !


**عودة لصلب المقال.


لا أتوقف أبدا عن التفكير في ذلك اليوم الذي سأصير فيه ملكة إنجلترا، أغرق في سيناريوهات مفادها أنه ماذا لو أن ويليام التقاني قبل أن يلتقي كيت، وقبل أن أغرق تماما، تنتشلني الملكة رانيا، بطلتها غير القابلة للوصف، فأقرر فجأة أنه لو كان لي أن أبدل مع أي شخص في العالم، لاختارتها دون تردد، ولأكن ملكة إنجلترا في حياة أخرى.


مصرية أنا، ملامحي ولهجتي حتى حين أتحدث الإنجليزية، إن رأيتني في ألاسكا فستعرف أنني مصرية، لكن مصريتي باتت تؤرقني، صرت أخشى أن تدور الأيام لأجدني قد انقلبت إلى أحد النماذج التي ذكرت، أو أن أصير أيقونة لمثال جديد "يقطعوا فروتة" في مقال تكتبه حفيدتي مثلا، أموت خوفا حين أتخيلني وقد تجاوز وزني الثمانين، أضرب طفلي السمج بوحشية، في الوقت نفسي الذي أفاصل مع أحد البائعين مصممة أن ذلك الذي يبيع، "خسارة فيه العشيييييين جنيه، سبعة ونص حلو".


أعرف والله أن الست المصرية هي أمي وأمك، أعرف أنها شالت فوق طاقتها يرضي مين، وأكره أن أكتب مقالا أنتقد فيه دون أن أقدم حلا، ولكنني حين بذلت قصارى جهدي وفكرت وأبدعت وتصورت، جاءتني النتيجة مرعبة.


فإن ودعنا الفقر واستبدلناه بثراء فاحش يضمنه أب ملياردير، ووفرنا بيئة راقية صحية لتكن الجونة مثلا، وأضفنا تربية أجنبية وتعليما من الغالي، لأسفرت تلك المعادلة عن.


ياسمين النرش ..