إنْ لم تستحِ
إن الهدف من هذا المقال لن يتحقق إلا إذا تحقق الهدف من سابق مقالاتي، والعكس غير صحيح، فسابق مقالاتي تتكلم عن الحب، والتفاهم، وكيفية الوصول بلغة الحوار إلى ما يسد الفجوة بين الزوجين بفعل الزمن وتغيُّر كل منهما. أما اليوم فحديثي عن الحميمية، عن التفاهم في العلاقة الحميمة، عن علاقة كنتَ تعتقدها تأتي فطرية وهو البعيد، كل البعد عن الحقيقة، فهي لا تنجح أيضًا إلا ببذل مجهود.
نعم حتى هذه لا تنجح إلا بمجهود، وكيف لك أن تسعد بنجاحٍ لم تبذل من أجله جهدًا؟! فالعلاقة الحميمة بين رجلٍ وامرأة لا يمكن أن تُختزل في مصطلح "الغريزة الجنسية الفطرية"، صحيح أن تلك الغريزة هي من المُغذيات لحميمية هذه العلاقة، إلا أنها تظل مجرد غريزة أولية إن لم يتم تهذيبها وصقلها حتى تصير إلى معرفة تُقيم عَلاقة تشعر فيها بنفسك وبالآخر، تريد من خلالها أن تسعد ويسعد الآخر، بل لا تتم سعادتك إلا إذا شممت رائحة سعادة الآخر.
بينما تكون الغريزة الجنسية همًّا تريد أن تفعل أي شيء لتصل إلى نهايته وترتاح، تكون العلاقة الحميمة أسلوب حياة تريد أن تعيشه مع شريكك ما ظَلَلْتُما معًا.
ليست كل الحميمية (18+)
إن تصوّرت أن العلاقة الحميمة بينك وبين شريك حياتك تنحصر في غرفة مُغلقة، فأرجوك صحح مفاهيمك، فالكثير مما تفعله بروتينية قد يصير من صميم حميمية لقاءكما.
- قبلة الصباح.
- عناق قبل النزول إلى العمل.
- مكالمة لطيفة للاطمئنان على سير الأمور.
- قبلة العودة من العمل (بغض النظر عن من أتى قبل الآخر).
- تشابك أيدي أثناء التجول في السوق التجاري.
- عناق خفيف أو قبلة مفاجئة بينما هي في المطبخ (لو هي اللي بتحضر الأكل).
- عناق من الخلف بينما يعمل على "اللابتوب" (وبالمرة تشوفي بيشتغل ولا بيعمل شات).
الكثير مما سبق وغيره لا يحدث أو يحدث بشكل روتيني لا حياة فيه، وتظل الغرفة المغلقة هي الشاغل الحميم الوحيد عند بعضهم.
كلام الكبار
المشكلة الأغلب فيمن يظل الشاغل الأوحد عنده هو الغرفة المغلقة والتخلص من العبء الغريزي، أنه (وفي الأغلب الكلام رجالي) لا ينظر إلى الآخر ليس فقط فيما صرنا نحفظه ونعلمه جيدًا عن وصول الطرفين إلى الذروة حتى يتحقق الرضا الجنسي، بل أتحدث عن مستوى آخر من الاهتمام وبذل المجهود. اهتمام بكل التفاصيل، أين يضع لمساته، متى وأين يطبع قبلاته. اهتمام بكل ما يخص جسده يزعج الآخر أن يراه أو يشمه! اهتمام بكل ما هو داخل دائرة نصف قطرها يحتوي كل اهتمامات الآخر. الطريف أن الطريق الوحيد أمامك لتُدرك ما يحبه الآخر، هو الآخر نفسه.
يحضُرني هُنا مشهد في فيلم friends with money، على ما أعتقد، فجأةً وفي أثناء نقاش محتدم بين زوجة وزوجها، انفجرت الزوجة مقررة أن تعترف لزوجها كم هي كريهة رائحة فمه أثناء علاقتهما الحميمة. لقد قالت ذلك بكل عنف متخيلة بل وقاصدة إهانته، فما كان منه إلا الرد بمنتهى البرود والبساطة: "ولم لم تقولي لى ذلك من قبل"، وعندما قالت له إنها كانت تعتقد أن ذلك قد يُشعره بالإهانة، رد بشكل أكثر بساطة: "إطلاقًا، فهذا أمرٌ ليس بإرادتي، لكن إن كنتيّ أخبرتني قبل ذلك لكنت اهتممتُ أكثر بتفريش أسناني مثلاً".
كم هو أمر بسيط ومع ذلك مثّل خجلاً كبيرًا لهذه الزوجة، بل مثّل لها عبئًا ثقيلاً في كل مرة يجتمعان، وكيف لا؟!
كم من أمر مثل هذا يمر بك؟ (بكسر الكاف وفتحها)؟
كم من حركة تريد من شريكك تجنبها؟!
كم من لمسة كنت تتمنى أن يفعلها شريكك في وقتٍ ما.. واستحييت؟
كم مرة تكلمتِ معه بعد لقاءكما عن شيء أعجبك، وكان أول مرة يفعله، أو عن شيء أزعجك بشدة ولا تريدين تكراره؟
كم مرة خفت أن يشك زوجك فى سلوكك فامتنعت عن الكلام؟!
لهذا ذكرتُ في أول مقالي أن الهدف هنا لن يتحقق إلا إذا تحقق باقي أهداف سابقيه. فالكلام هنا ليس عن تلك الزوجة التي تنهض عن سريرها وهي مُشمئزة من كل شيء كرهًا فى جثةٍ بجوارها، ولا عن زوجين تعودا على قضاء كل متطلبات حياتهما بروتينية صامتة فأصبح الصمت جزءًا أصيلا بينهما.
مقالي هذا ليس في التوعية الجنسية، ولا هو عن 101 نصيحة في فن العلاقة الحميمة، بل هو مجرد انتقال لمستوى آخر من الحوار بينكما. حوار يفتح بينكما كل الغرف المُغلقة.
بعضهم سيقول لكما "اللي اختشوا ماتوا".
وبعضهم سيقولون لكما "إن لم تستح فافعل ماشئت".
ولهؤلاء قولا نعم بالفعل إننا لم نستحيا من بعضنا.. ففعلنا ما شئنا.