التوقيت الجمعة، 22 نوفمبر 2024
التوقيت 03:35 م , بتوقيت القاهرة

ولكننا نعرف أنهم سفهاء

على وسائل التواصل الاجتماعي هُناك مجموعةٌ من الناس لا تملُك في الواقع أي حرفة حقيقية إلا حرفة الاعتراض، يعكسون بتصرفاتهم دائمًا عقلية الشخص القلق الذي يخاف من أي فكرة تُخالف فكرته، ليس خوفه من الفكرة التي يناقشها الخصم إلا نتيجة لخوفه من أنه لا يعرف أسبابًا قوية لقناعاته التي يعتبرها ثوابت.


ستلاحظ هؤلاء الناس دائمًا وهم ينحازون بشدة لشخص ثم ينقلبون عليه إذا ما اختلف معهم، فعلوا هذا مع الجميع بدءًا من معسكرهم ذاته ورموزه التي طالما تغنّوا بها ولها كأحمد فؤاد نجم والأبنودي وصنع الله إبراهيم ورؤوف مسعد  والقائمة مفتوحة، وصولا لأقرب أصدقائهم على وسائل التواصل، مروراً بإعلاميين مختلفين يختلفون مع مواقفهم السياسية، حتى أن انقلابهم  هذا على هؤلاء الأشخاص لا يكون عقلانيًا أو ناضجًا، بمعنى أنهم  لا يتقبلون اختلافا معهم و لايدركون أنهم حتى لو جزموا بكون آراءهم خاطئة، فليس معنى ذلك تحويل شُحنة هائلة من الكراهية تجاههم أو اعتبار أنهم أصبحوا يجسدون الشر المطلق.


ولكن لهذه المراهقة الفكرية أسبابها، فهؤلاء الشباب لا يملكون عمقًا فكريًا حقيقيًا، ادعاؤهم أنهم مؤمنون بالحداثة هو ادعاء لا يصمُد أمام تصوراتهم بامتلاك الحقيقة المُطلقة، وتصنيفهم لكل الأمور بمنطق (إمّا أبيض أو أسود )وفقًا لمعيارٍ واحد فقط من بين عشرات وربما آلاف المعايير، التي تحكُم طبيعة أي قرار.


هؤلاء الأشخاص في العادة أشخاص لم يتحملوا مسؤولية حقيقية أبدًا، حتى لو كانوا يعملون أو مسؤولين عن أسرة، فهم في الأغلب إمّا يعملون في أماكن بعيدة عن الإدارة ويقضون وقتهم دائمًا في الهجوم على الإدارة، أو أنهم يتولون منصبًا إداريًا، ولكنّهم فاشلون في وظيفتهم الإدارية بشكلٍ كامل.


رغم أنك ستلاحظ  ذلك في العادة بمجرد النظر لأحوالهم، فإنّ هناك سببًا عميقًا وراء ذلك، فالقرارات الإدارية دائمًا يتم بناؤها على عشرات المُعطيات وعلى أساس تقدير مجموعة المخاطر المُحتملة، والتكاليف الاقتصادية وقناعات الجمهور، والقدرة على الحفاظ على تناغم فريق العمل.. إلخ؛ ولهذا فأي شخص يبني قرارًا على أساس شيء واحد هو، في الأغلب، من هذا النوع، خصوصًا إذا كان هذا الشيء بحسابات المنطق والربح والخسارة ليس الأهم ولا يُمكن وفق أي ترتيب أن يكون الأهم.


لهذا كله فإنّ التخصص الأساسي لهؤلاء هو الصفحات الفُكاهية أو الكوميكس، حيث يمارسون سخريتهم باستمرار من كل شيء، إنهم  مثلاً يسخرون ممن يسمعون أغاني معينة ثم يروّجون لأغان بديلة ثم يسخرون منها، ثم يسخرون ممن يسخر منها وهكذا، فقتْل الملل الذي يشعرون به نتيجة كونهم بلا هدف حقيقي أو مشروع يعملون في تحقيقه، لا يكون إلا بالبحث باستمرار عما يسخرون منه، حتي ولو  عبر انتزاع الضحكة انتزاعًا بالسخرية مما روجوا له قبل ساعات ذاته.


أفكارهم الأيديولوجية هي مجرد تكرار ببغائي لما قرأوه أو سمعوه؛ لهذا تجدهم يسألون أسئلة في غاية السذاجة والغباء، مثلا ستجد هؤلاء السفهاء يقولون كيف يمكن أن يؤيد السوق الحرة  هذا أو ذاك وهو ليس ابناً لمليونير؟ إنهم يحاولون إشعارك بتناقض غير موجود، فمرجريت ثاتشر كانت ابنة لبقال، ورونالد ريجان كان ابنا لمندوب مبيعات، وكلاهما من أعظم القيادات السياسية المؤيدة للسوق الحرة في التاريخ، بل أن ميلتون فريدمان أحد أكبر منظري السوق الحرة هو  ابن مهاجر كان يعمل تاجرًا متواضعًا.


إنهم يتصورون أن هناك تناقضًا في ذلك؛ فقط لأنهم علموهم أن هناك انحيازًا جبريًا معينًا لطبقة معينة، فقط لأنهم لا يفهمون الفارق بين عدم التعامل بطبقية وبين التعامل بطبقية ضد الأغنياء.


كل هذا يحدث لأنهم جميعًا (على راسهم بطحة)، فهم أصلا متناقضون حتى النُخاع، ففي الواقع ليس تناقضًا أن تُمجد قيمة السوق الحرة، حتى لو كنت من أفقر الطبقات، التناقض الحقيقيّ هو أن تنظر عن الشيوعية أو عن تقليل الفوارق بين الطبقات، بينما تسعى لامتلاك كل سلع الرفاهية التي تنظِّر كل دقيقة بكونها سلعا استهلاكية رأسمالية.


سيقول السفهاء إنهم ينتظرون اللحظة التي سيسخرون فيها من مؤيدي 30 يونيو أو مؤيدي إقصاء الإخوان سياسيًا أو مؤيدي السيسي.. إلخ؛ لأنه سيُثبت أنهم كانوا على صواب وأن السيسي  ليس علمانيًا وأنه وجه آخر لمرسي، إنهم يتهمون كل هؤلاء بالنفاق، يتمتع هؤلاء بعقول نملة لأنهم يتصورون أنه إذا كنت مؤيدًا لدولة علمانية فإن سبب دعمك للسيسي كان أنك اعتبرته علمانيًا.


لا يُدرك هؤلاء إذن أنه لا يُمكن مقارنة الإخوان والإسلاميين بغيرهم، وأن أي تفصيلة أو موقف يتشابه فيه الطرفان لا يعني أبدا استنتاجهم الساذج أنه لا يوجد فارق بين الاثنين، لا يفهم هؤلاء أن هناك فارقًا بين مؤسسة تابعة للدولة، هي بحكم طبيعتها  مؤسسة تقوم على الانتماء الوطني، ومؤسسة حزبية أو جماعة هي بحكم تكوينها وأفكارها تقوم على انتماء ديني بل وعلي ولاء مباشر لقياداتها، لا يُدرك هؤلاء أن هناك فارقًا بين من يُمارس الإرهاب ضدك ويدعمه بالقول والفعل والمال، ومن يحاول القيام بما من شأنه حمايتك من الإرهاب، لا يُدرك هؤلاء أننا، في الواقع، لم نكن نُريد لأحدٍ أن يُقاتل في معركتنا، ولم نتصور أن الرئيس سيدعم العلمانية بدلا منا، وأننا كنا معترضين على المادة الثانية وغيرها في الدستور، ولكننا اتخذنا موقفنا على أساس معايير أخرى غير ما يتصور هؤلاء أنها كل ما في الكون.


مرة أخرى إنها (البطحة)، فالنفاق الحقيقي مثلا هو أن تعمل في مؤسسة خاصة تراها غير متفقة مع رؤاك اليسارية، ومع ذلك تحصل على راتب منها فيما تقوم بمهاجمتها على صفحتك الخاصة وبين أصدقاءك.


سيقول السفهاء أنهم يدافعون عن الإخوان الذين  يتعرضون للظلم، وسيتجاهلون مافعله ويفعله الإخوان طوال الوقت، وسيتجاهلون أن مايقوم  هؤلاء به هو جرائم جنائية، وأن تصويرهم كضحايا أمر يدل على خلل معاييرهم وبحثهم دوما عما يُبقي وضعهم ثابتاً للأبد في صفة (المعارضين)؛ لأنهم يتصورونها صفة مميزة وليس لأنهم قادرون على طرح بديل حقيقي.


سيقول السفهاء دائمًا كل ما من شأنه مقاومة أي تغيير. سيهاجمون كل تغيير ثقافي لأنهم لم يكونوا صانعيه، سيقاومون كل تغيير سياسي لأنهم لم يكونوا محمولين على الأعناق في أثناء حدوثه، سيتمنون حتى لو حدثت أي كارثة في مصر ليشمتوا فيها ويرقصوا؛ لأن أحدًا لم يُعر لسخافاتهم اهتمامًا، سيستنسخون فكرة جيل مظاهرات الكعكة الحجرية  في أوائل عام 72 الذي كسرته حرب أكتوبر 1973،  سيكررون أخطاء ذلك الجيل  وغضبه لأن الحل جاء من السُلطة التي عارضوها وليس من  قياداته، ففقد هؤلاء مبرر وجودهم لدى الناس فنساهم الناس وتحولوا –بحثًا عن دور- إلى عنصر زاعق شاتم على يسار السُلطة لأربعة عقود.


ستجدهم يقومون بالضبط  بما يريده الإسلاميون، فكل من يهاجم الإسلاميين يتم الهجوم عليه، بدءًا من الإعلاميين للسياسيين مرورًا بأي مجموعات علمانية أو أحزاب سياسية ثم المواطنين المؤمنين بالدولة المصرية أو بالهوية المصرية، ووصولا حتى للمجموعات المعادية للإسلام السياسي بحكم اختلاف العقيدة أصلاً كالملحدين.


سيقول السفهاء كل مايشاءون، لكنّهم في كل يوم يزدادون غيظًا لأنهم وبينما يهدرون أوقاتهم في هذه السخافات التي يحاولون بها الحصول على إعجاب من واحد هنا أو هناك؛ فإن الجادين يعملون باستمرار لنشر أفكارهم، ولتنفيذ سياساتهم، بعيدا عن سخافات السفهاء.


سيقول السفهاء كل هذا وأكثر منه.. ولكننا لا نبالي. لأننا نعرف أنهم سفهاء.


للتواصل مع الكاتب