ألف مشهد ومشهد (20)
عارف حضرتك الناس اللي بـ تسمى الشخصيات في الروايات والمسرحيات والأفلام بـ أسماء ليها معنى ودلالة، زي اللي عايز يقول إن بطل الرواية بـ يعتمد في حياته على الإعانات فـ يسميه "عايش شحاتة" أو يطلع شخصية مفترية فـ يسميه "عبد الجبار"، عارف الطريقة دي حضرتك؟
أنا شخصيا مش بحبها.
لكن عند نجيب محفوظ بـ الذات بـ أعمل استثناء، نجيب محفوظ بـ يشتغل بـ الطريقة دي في أحيان مش قليلة، لكنه للأمانة مش بـ يكون بـ السذاجة والابتذال اللي عند التانيين، لما بـ يختار اسم رمزي، بـ يكون الاسم ده مفتاح للشخصية، مش يافطة والسلام. ومن أوضح النماذج على كده "سيد الرحيمي" في رواية "الطريق".
صحيح إن كتير من الأفلام اللي اتعملت عن روايات نجيب محفوظ راحت في مناطق تانية مختلفة خالص عن اللي كاتبه محفوظ، بس تقديري إن "اللص والكلاب" مش من الأفلام دي، بـ العكس صناع الفيلم نقلوا الصورة بـ أمانة على قد ما يقدروا، ولذلك، ما استغربتش خالص لما عرفت إن كمال الشيخ كان بـ يودي السيناريو أول بـ أول لـ نجيب محفوظ نفسه يقول رأيه ويسجل ملاحظاته، وكانوا بـ ينفذوها.
الولد اللي كان في خدمة "سعيد مهران"، نجيب محفوظ مسميه "عليش سدرة"، والسدرة زي ما احنا عارفين شجرة في الجنة، سدرة المنتهى. "نبوية" مرات "سعيد" هـ تعشق السدرة دي، العشق الحرام، العشق المرتبط بـ الخيانة، العشق اللي علشانه توز سعيد على ارتكاب الخطيئة، فـ الفيلم بـ يبدأ بـ نظرات عشق من نبوية لـ سدرة معاها بـ يبدأ كل شيء.
اللي عملت دور "نبوية" الفنانة سلوى محمود، دفعة حسن مصطفى في معهد التمثيل، لما كان اسمها زينب شحاتة، ومع إنها اشتغلت كتير، وفضلت تشتغل لـ حد التمانينات مثلا، لكن تقريبا مالهاش دور معلم غير الدور ده.
واللي عمل دور "عليش سدرة" الفنان زين العشماوي، وجيلي يعرفه من خلال أدواره في مسلسلات أواخر السبعينات/ أوائل التمانينيات خصوصا مسلسل أوراق الورد، أول مسلسل لـ وردة، لكن طبعا أهم أدواره على الإطلاق دور عليش.
بـ نعرف بعد نظرات الغرام إن كل شيء مترتب ومتخطط له، سعيد فاهم إن الترتيب ده لـ صالحه، بينما الترتيب علشان يوقعه في الخطيئة، فـ يستحق العقاب.
ما ينفعش تمنع نفسك من التفكير في إن الخطيئة هنا مرتبطة بـ خطيئة آدم الأولى، لأن سعيد أول ما دخل الفيلا، وسرق الحاجات، لقى تفاحة على حاجة زي شوفينيرة، فـ قطم منها قطمة واحدة، وبـ مجرد ما قطم القطمة دي سمعنا صوت الكلاب، والشرطة جاية تقبض عليه، ثم ينزل التتر ويبدأ الفيلم.
العمل كله بـ النسبة لي هو مناقشة لـ فكرة "الخطيئة"، والبحث في أصولها ودخول منطقة "الأخلاق"، وزي ما هـ نشوف كمال الشيخ، مخرج الفيلم العظيم، هـ يتعامل مع فكرة الأخلاق والأخلاقيين إزاي؟ وهـ يقدم إدانة كبيرة لأصحاب الخطاب الأخلاقي، وإنهم غالبا مش ملتزمين بـ هذا الخطاب.
الشيخ واحد من أهم المخرجين في تاريخ السينما، دخل الإخراج من باب المونتاج، طلع من الثانوية العامة على ستوديو مصر، وشغلوه في قسم المونتاج تحت إشراف نيازي مصطفى، وكـ مونتير كمال الشيخ له أفلام أكتر من مهمة زي غزل البنات. وبالمناسبة مراته كانت مونتيرة، وليه أخ مونتير هو سعيد الشيخ، سعيد هو اللي عامل مونتاج "اللص والكلاب" نفسه.
الشيخ كان بـ يهتم إنه يعمل فيلم مثير، وكلنا فاكرين طبعا: "من حكيمدار بوليس العاصمة إلى أحمد إبراهيم القاطن بـ دير النحاس"، وتقريبا مفيش فيلم عمله إلا ومحتاج نتكلم عنه.
بس خلينا نكمل مسيرة "اللص والكلاب " الأول