التوقيت الإثنين، 23 ديسمبر 2024
التوقيت 03:04 م , بتوقيت القاهرة

كيف جمع الأبنودي السيرة الهلالية؟

بدأت رحلة الشاعر الكبير عبدالرحمن الأبنودي، في جمع السيرة الهلالية عقب النكسة مباشرة، وربما ساعده في ذلك أيضا افتتانه بعالم شعراء الربابة والغوازي في موالد عبدالرحيم القناوي.


كان الأبنودي يستمع إلى فصول مختلفة من السيرة الهلالية، من باب ترديد المحفوظات فقط، كان هؤلاء أشبه بغجر ماركيز في مائة عام من العزلة وحكاياتهم التي لا تنتهي، إنها الرحلة التي استغرقت ثلاثين عاما حاول من خلالها الأبنودي تقصي السيرة الهلالية في أفواه المنشدين والحكائين العرب.

يونس في بلاد الشوق "أه يا ولد الهلالي" بتونسني دموع العين وأنا سايب أهالي، كان الأبنودي من أشد المعجبين باستلهام التراث الشعبي للحياة المصرية، فدأب على جمعه، رحلة طويلة جاب خلالها الخال ربوع الوطن العربي كي يجمع هذا الإرث الضخم من سيرة بني هلال.



تنوعت الرحلة ما بين السودان والجزائر وليبيا، بالإضافة إلى حدود تشاد والنيجر ثم إلى تونس الخضراء.


يعدّ الشيخ جابر أبو حسين أحد أقطاب السيرة الهلالية، إنه شيخ الشيوخ، ثلاث سنوات من الحكي في سوهاج حتى تمكن الأبنودي من حفظ هذا التراث في صندوقه الخاص.


أما البطل الآخر في الحكاية كما يروي الصحافي محمد توفيق في كتابه الشيق الخال (منشورات دار المصري – 2013) فكان الحاج الضوي الذي تعرف الأبنودي عليه في أحد المقاهي الريفية الخالية من الزبائن.


وكذلك هناك أبو عنتر واسمه الحقيقي سيد غشيمة الذي يدور على حماره ويقبض على ربابته منشدا أجزاء من السيرة الهلالية، إنها سيرة متكاملة حاول العرب من خلالها الحفاظ على القيم العليا والمثل إضافة إلى المتناقضات من الحب والنزالة والتبلد والتضحية، كأنها الحكاية التي حاولت توحيد العرب تحت راية عروبة واحدة.


ويظل جوهر الحكاية هو زحف قبائل هلال في منتصف القرن الحادي عشر الميلادي من هضبة نجد بعدما جفت ليستقروا في تونس، وكان عددهم 360 ألف مقاتل بحثاً عن حياة أفضل، لكن ابن خلدون رأى، بحسب الأبنودي، أن القبائل زحفت إلى مصر في عهد الخليفة الفاطمي المستنصر بالله نتيجة للجدب.



كان للأبنودي رؤية خاصة في الحفاظ على هذا الإرث الشفاهي الذي يوزن بميزان ذهب، وربما يعادل مليون بيت للشعر، إنها دراما تتدرج في انفعالها وتصوريها للأحداث، وهي ليست على وتيرة واحدة كما يظن البعض أن تمّجد أبو زيد الهلالي.