التوقيت الإثنين، 25 نوفمبر 2024
التوقيت 03:50 م , بتوقيت القاهرة

نوستالجيا ستينيات.. سبعينيات!

أدركت في هذه اللحظة، أننا نحن الموقعون أعلاه مواليد الستينيات والسبعينيات، نفقد أجزاءً مهمة من إحساسنا بالعمر الذي يمضي، كما لو كانت حياتنا لوحة من حبات الموزاييك تكون في تشكيلها الأخير صورة ضخمة لكل الأيام الحلوة التي عشناها، الآن.. تتآكل، تنهار قطعة قطعة، كل يوم تسقط قطعة على الأرض، فتفقد الصورة معناها!


أمس رحل عبدالرحمن الأبنودي، قطعة موزاييك عظيمة كانت تتوسط الصورة، قبلها بيوم سقطت قطعة لممثل ارتبطنا به ولم يأخذ حظه من الشهرة الكافية والنجومية، وإن حصل على حقه وأكثر في حب الشخصيات التي قام بها، هو الممثل إبراهيم يسري، بينهما سقط كابتن حسن الشاذلى، ياما عشنا مبارايات يوم الجمعة ينده باسمه كابتن لطيف: الشاذلى الشاذلي، من أربعين ياردة !


الحنين إلى الماضى، أو ما نسميه من باب الموضة والاختصار: نوستالجيا، أصبح مفرطا في جيلنا، فأينما كانت الذكريات.. نولي قلوبنا، بحثا عن ماض كان جميلا بسيطا صنع حياتنا، حنين إلى ماض يكشف بكل بساطة أن لم يعد هناك حاضر نصنع منه ذكريات أجمل!


مواليد الستينيات أو السبعينيات مثلي، يعيشون على أطلال كانت فيها مصر مازالت قادرة على الفرح وعلى الدهشة وعلى إنتاج أحلام تتحقق، كانت سنوات كناسة الدكان (بتعبير يحيى حقى).. لكن في هذه الكناسة كان بقايا أِشياء تلمع كالذهب، على الأقل كانت تمنحنا خيالا خصبا وألعابا مسلية.


لا تسأل لماذا نحزن على رحيل إنسان منح هذا الزمن جزءا منه؟ لا تسأل لماذا ننقبض وننزوي ونبحث في الذاكرة عن كل مارسم به الأيام؟ نحن نحزن على ضياع بعض منا، سقوط حجر موشوم بأيام لم تعد معنا.


انفرط عقد من نحب، من أثروا فينا فعلا، ربما منذ رحيل صلاح جاهين ف] منتصف الثمانينات، على الأقل وقتها كنا بدأنا نفهم ماذا يعني غياب إنسان من حياتنا، جاهين يرحل فنودعه برباعياته، لكننا ننسى بسرعة أنه لم يعد.. لأن اللوحة الكبيرة كانت مازالت تحمل مئات من حبات الموزاييك والفسيفساء.


كم حبة سقطت من يومها؟


أعتقد أن انفراط العقد بدا واضحا منذ رحيل عاطف الطيب يوليو 1995، بدا واضحا أن الانفراط والغياب والانسحاب سيكون أسرع، بخطوات لا تتوقف.. من يومها بالفعل لم تتوقف، أصبحت هكذا خبر يذكرنا أن ستينياتنا وسبعينياتنا تتفكك وتنهار، موسيقى لوحة فيلم  حب أب أمل كرة لعبة برنامج صوت.. كل الأشياء إلى زوال حتى صناع الذكريات، حتى نحن وذكرياتنا.


ليس غريبًا أننا نبحث عن ذكرياتنا ـ أيامنا الحلوة في الحقيقة ـ على اليوتيوب!.. شير لقطة أغنية مشهد قصة نكتة صورة إعلان موضة.. ليس غريبًا أن نبحث عن صورنا القديمة لكي نتذكر كيف كنا نضحك.. نضحك قوى، لم نكن فقط أبرياء؟ لم تكن ضحكتنا لمجرد أننا أبرياء لا شئ يشغلنا، لا.. كانت حياتنا فيها مايستحق الضحك والفرح والسعادة والحب والنوم العميق آخر اليوم، كان فيها بشر وكان مع البشر حالة عامة من الحياة المليئة بالتفاصيل، كانت الحياة حياة، حلوة ومرة، لكنّها حياة، حياة.. وليست مايشبه الحياة، كنا بجد، لحم ودم ومشاعر، فرسان لا نخلو من عيوب، لكن كان لنا هدفا أن نغير الحياة.


هل فشلنا نحن أبناء الستينيات والسبعينيات في أن نغير الحياة للأفضل؟ هل كانت الحياة نفسها أقوى من أن نغيرها.. فغيرتنا؟ هل انسحبنا؟ هل انسحقنا؟ هل تشكلنا مع العاصفة حتى ننجو منها أو نستفيد بها؟


هل ينظر لنا أجيال الثمانيينيات والتسعينيات والألفية الثانية أننا سبب تعاستهم؟ أم أننا بهاء لتعلقنا بالماضي بكل هذه القسوة على أنفسنا، تعلق السذج بنسمة هواء تعيسة عابرة؟ تعلق غريق بقشة في محيط هادر؟ وهل لو وجدنا شاطئ يتسع للهونا.. كنا نرفض؟


ماصاحبة السعادة التى تقدمها إسعاد يونس إلا بضاعة مستعملة لجيلى يسد بها مسام قلبه! .. تضحك بها علينا ، ونضحك منها على أنفسنا. 


في أوطان أخرى تبقى النوستالجيا، مجرد زيارة خاطفة نعود بعدها للسعادة الأهم في الحاضر.. في بلدي يضحكون علينا أن جيلي يكتفي بزيارات طويلة للماضي ويدخل لينام ويحلم أحلاما سعيدة.


اقرأ أيضا