التوقيت الجمعة، 22 نوفمبر 2024
التوقيت 10:47 م , بتوقيت القاهرة

محمد إقبال.. جسد نبت برياض كشمير وروح انبثقت من ضياء مكة

"ومن رضي الحياة بغير دين، فقد جعل الفناء لها قرينا".


عرف المصريون والعرب هذا الشاعر الباكستاني الرائد من خلال قصيدته "حديث الروح"، والتي غنّتها كوكب الشرق أم كلثوم. الكثير ممن يحفظون أبياته التي غنت بعضها أم كلثوم، لا يعرفون أنّ الفيلسوف الذي أتقن العربية لم يكتب بيتا واحدا بلغة الضاد، ولكن ذلك لم يمنع مفكرين كالمنفلوطي والرافعي وأحمد أمين من التأثر بأفكار إقبال، في بحثهم عن سبل بعث نهضة العالم الإسلامي الواقع تحت الاحتلال والاستغلال.


كتب عنه العقاد وطه حسين وعبدالوهاب عزام وأحمد حسن الزيات وسيد قطب ومحمد حسنين هيكل، كما خصّص له أبوالحسن الندوي كتابا بعنوان "روائع إقبال"، ونجيب الكيلاني في كتابه "إقبال الشاعر الثائر"، وخرجت الأعمال الكاملة له من جمع سيد عبدالماجد الغوري.


التكوين


في 9 نوفمبر سنة 1877، ولد الشاعر الفيلسوف محمد إقبال في إقليم البنجاب، لأسرة برهمية الأصل اعتنقت الإسلام قبل مولده بنحو ثلاثة قرون، وهاجرت من كشمير إلى البنجاب.


درس اللغة الفارسية والعربية مع اللغة الأردية. ثم سافر لأوروبا لاستكمال دراسته وحصل على الدكتواره من جامعة ميونخ في ألمانيا، وعاد بعدها لبلده، واشتغل في السياسة حتى تقلّد منصب رئيس حزب العصبة الإسلامية في الهند، وكان العضو البارز في مؤتمر الله أباد التاريخي، ودعا خلاله لانفصال المسلمين عن الهندوس.


مخاطرة اقبال بمنح أفكاره النهضوية بعدا سياسيا دفعه إلى مواقف قد لا تبدو اليوم صحيحة تماما، منها دعوته ـ هو ذو الأصول البرهمية الكشميرية ـ إلى انفصال المسلمين عن الهندوس. وجدت دعوته تلك صداها، لاحقا، بتأسيس باكستان. ويصعب القول إنّ تلك الدولة تعبّر عما أراده إقبال.



درس إقبال الفلسفة واللغة العربية، وتدرّج في السلك التعليمي، حتى عُين عميدا للغة العربية في الكلية الشرقية لجامعة البنجاب، زاوج بمهارة بين الشعر والفلسفة ولم يمنعه التدريس من كتابة الشعر، حيث شارك فى محافل الأدب.


من هنا، فإنّه يتقاطع ويفترق في نصوصه مع شعراء ومتصوفة شرقيين آخرين، مثل حافظ الشيرازي وجلال الدين الرومي وحتى طاغور. لكن شعرية إقبال ستبقى روحانية خالصة، تنطوي على أبعاد تأملية، تبدو مجرد أحلام طوباوية في تشييد عالم يصعب تحققه.


كان يحلم بأمة إسلامية موحّدة في مواجهة مشاريع الغرب الاستعمارية، وذلك باستحضار أمجاد انطوت تحت سطوة التمزّق والانغلاق على حدود جغرافية ضيّقة.


بين الشعر والفلسفة وتجديد الفكر الديني


"نبت جسمه في رياض كشمير، وانبثقت روحه من ضياء مكة، وتألف غناؤه من ألحان شيراز. لسان لدين الله في العجم يفسر القرآن بالحكمة، ويصور الإيمان بالشعر، ويدعو إلى حضارة شرقية قوامها الله والروح، وينفر من حضارة غربية تقدس الإنسان والمادة."


هذه العبارة للكاتب المصري أحمد حسن الزيات تختزل رؤية محمد إقبال للفردوس الإسلامي المفقود. في شعره ونثره ومؤلفاته الفلسفية والسياسية، سعى للإجابة عن الأسئلة المطروحة على العالم الإسلامي في الفترة التي عاشها. 


ولطالما ذهبت أشعاره إلى صوفية كونية منفتحة على الإنسانية. صوفية غير منقطعة عن محيطها الدنيوي والمعيش. فإقبال ابن الحضارة الهندية، طالما رأى العالم والوجود وحدة واحدة، مسترشدا بابن عربي وجلال الدين الرومي، وإن لم يمنعه تأثره بالصوفيين الكبار من انتقاد الصوفيين في انعزالهم عن المجتمع. 


ولم يقع إقبال كذلك نتيجه اطلاعه على الحضارة الغربية في أسر الانبهار بالنموذج الأوروبي، كطريق أوحد للنهوض. على العكس، راح يفتش عن جوهر الحضارة الإسلامية بوصفها دينا متسامحا، وليس منغلقا على نفسه.


هكذا اشتغل بحماسة وعقلانية على حقل فكري شائك، داعيا دعا إلى فتح باب الاجتهاد على مصراعيه إلى "تجديد الفكر الديني في الإسلام"، كي يتجاوز الإسلام أسر الدوائر المغلقة.



اهتم إقبال بنشر الإسلام في مختلف بلدان أوروبا، وأثر بشعره وأسلوبه الجذاب في كثير من الأوروبيين منهم الزعيم الإيطالى الفاشي موسوليني، الذي دعاه لحضور مؤتمرات المائدة المستديرة في لندن سنة 1930، ولم يكن لقاؤه بزعيم الفاشية مطلع الثلاثينيات سوى سوء فهم نتج من اهتمام إقبال بأفكار نيتشه عن الإنسان الكامل. ثم سافر إقبال إلى إيطاليا وحاضر في روما، عن أسباب تخلف المسلمين، وكان أهم أسباب هذا التخلف -من وجهة نظره- هو البعد عن الدين.


عانى إقبال من المرض في السنوات الأخيرة من عمره، فقد ضعف بصره لدرجة أنه لم يستطع التعرف على أصدقائه بسهولة، وكان يعاني من آلام وأزمات شديدة بسبب التهاب في الحلق، أدى إلى خفوت صوته، ما اضطره إلى اعتزال مهنة المحاماة، وفكر في أن يقصد فيينا طلبا للعلاج إلا أن حالاته المادية لم تسمح بذلك.


 وتوفي في 21 أبريل عام 1938، وكان يقول "أنا مسلم. ومن شأن المسلم أن يستقبل الموت مبتسما"، ويمكن تفسير تلك الطمأنينة بأن اقبال كانت حياته حافلة بالشوق نحو السماء والوصول ليوتبياه التي تمنى تحقيقها.


 في إحدى قصائده المتأخرة بعنوان "النسر والنملة" نقرأ:


"قالت النملة للنسر الذي مر يوما ما على وادي النمل


 – أنت ترعى في بساتين النجوم وأنا في شقوة العيش المذل


-قال لكن أنا لا أبحث عن مؤني مثلك في هذا التراب


-لست ألقي نظرة حتى ولا للسماوات التي فوق السحاب".