ألف مشهد ومشهد (18)
في حالة "محمود سليمان" نقدر نقول فعلا إن "عمر السجن ما غير فكرة"، لأنه المدة التانية اللي قضاها في الزنازين ما قللتش من رغبته في الانتقام مليمتر واحد، وفعلا أول ما خرج راح على مراته بطة والمحامي اللي كانت مظبطة معاه، وقتلهم الاتنين (على عكس الرواية والفيلم).
كان ممكن الموضوع يمشي في اتجاه قضية شرف وهكذا، حاجة زي متولي مع شفيقة، بس الموضوع كان أوسع من كده.
هرب محمود سليمان، وقدر إنه يدوخ البوليس، وحصلت حالة من الاستعداء الرهيب تجاهه سواء من الصحافة أو من الشرطة، وبدأ يحصل تضخيم لـ خطورة سليمان.
كانت الشرطة شغالة على نغمة إنها مش مضرورة حاجة من "السفاح"، وكان فيه شعار كده: السفاح ما بـ يقتلش الشرطة، السفاح بـ يقتلك إنت. السفاح ما بـ يسرقش الشرطة، السفاح بـ يسرقك إنت.
الحملة دي، طبعا، جابت نتيجة عكسية، وحصل تعاطف مع سليمان في الشارع، وكان الناس بـ يسخروا من شعار البوليس، ويقولوا: طالما هو مش بـ يقتل الشرطة، ومش بـ يسرق الشرطة، يبقى هو والشرطة إيد واحدة.
في هروب سليمان لجأ لـ شاب صغير تواه عنده، كان طالب وساكن في حلوان اسمه محمود رشوان، أو محمد رشوان مش متذكر، ورشوان ده هو أخو أبو الوفا رشوان، اللي هـ يبقى بعدييين ظابط كبير، لوا، وهـ يبقى سكرتير حسني مبارك، وكان آل رشوان ليهم أخ تالت ابنه دلوقتي صحفي في الأهرام، وهو صحفي رياضي ممتاز، حافظ تاريخ الكورة ماتش ماتش وهدف هدف ورمية تماس رمية تماس، وكنا أصدقاء جدا لما كنت شغال في الأهرام، وهو اللي حكى لي الحكاية دي كلها، وحكى لي الحقيقة حكايات كتير.
رشوان كان متضايق جدا إن الرواية ثم الفيلم خلوا سليمان يستخبى عند واحدة "شرشر"، ولـ حد سنة 2010 كان عنده إصرار على عمل مسلسل يحكي قصة سليمان الأصلية.
من ناحية تانية، سليمان نفسه عاش دور روبن هود، وكان واضح إنه متقمص شخصية اللص الشريف، وإنه حامي حمى الفقراء والمستضعفين، وصوتهم اللي ما يـ يقدروش يعبروا عنه، وكان بـ يبعت جوابات لـ محمد حسنين هيكل، وكان عايز ينشر مذكراته، والقصة بقت مثيرة جدا لـ وقت مش بسيط.
في النهاية قدر البوليس إنه يعتر في سليمان وقتلوه في مطاردة، والأخبار نشرت خبر مصرعه في الصفحة الأولى، بعنوان "مصرع السفاح"، وهنا حصلت حاجة لطيفة جدا.
عبد الناصر كان مسافر يومها باكستان، والجرايد مكنش عندها إمكانيات كبيرة في الطباعة، فـ الأخبار نشرت خبر سليمان وخبر عبد الناصر تحت بعض: "مصرع السفاح" و"عبد الناصر في باكستان"، بس مكنش فيه فاصل بينهم، فـ الناس قرتها: "مصرع السفاح عبد الناصر في باكستان"، والموضوع ده عمل أزمة كبيرة وقتها.
فيه ناس قالت إن الموضوع كان مقصود، وناس اتكلمت عن إنه مجرد غلطة، وناس كبرت الموضوع، وقالت إن الحكاية دي كانت سبب في تأميم الصحافة، وإن الدولة احتكرت إصدار الجرائد والمجلات بـ سبب الحكاية دي. وتقديري إن دي مبالغات، هي كانت غلطة، وسببت إزعاج وقتي وخلاص.
تحول محمود سليمان لـ بطل قومي، وكان هري الناس وقتها، ولو كان فيه فيسبوك يمكن الهري ده كان تضاعف، فـ القصة كانت مثيرة لـ تحويلها لـ عمل أدبي وفني.
ده اللي عمله نجيب محفوظ لما خد القصة وجردها من تفاصيلها الوقتية، وحاول يوصل لـ فلسفة الأمور، وسمى الرواية "اللص والكلاب"، اللي هـ يحولها كمال الشيخ للفيلم اللي هـ نتكلم عنه بـ استفاضة في الأيام الجاية.
استنونا