التوقيت الإثنين، 25 نوفمبر 2024
التوقيت 09:17 م , بتوقيت القاهرة

دليل العقلاء في فهم كليب هيفاء

فلاش باك..


اللي اتمنيته  في أحلامي دلوقتي لاقيته


حبيت الدنيا وأيامي علشان حبيته


ده اللي قلبي ليه


ده اللي روحي فيه


ده أنا، ده أنا، ده أنا ..


لا أذكر متى كان ذلك، لكنني كنت أصغر كثيراً، وكانت مصادر المعرفة،  وتبادل الرأي محدودة جدا، خاصة إذا ما قورنت بالآن، ولكني أذكر أن الدنيا قامت حينها ولم تقعد، فكيف لنوال الزغبي أن تقلد شاكيرا بتلك الفجاجة- والله قالوا كده-  وكيف لمجتمعنا العربي أن يقبل ذلك العريّ؟ اليوم أسأل نفسي عن الذنب الذي اقترفته نوال، حين ارتدت "طقما" أسود اللون وحركت يدها اليمنى أمامها، فاليسرى بعد ذلك.


تطوّرت الدنيا بعد ذلك كثيرا، وربما كان طبيعيا أن يتطور مفهوم العري والإغراء أكثر، ولكن ذلك لم يعنِ أبدا، أن يكون استقبال تلك السمراء الشقية بشعرها الأسود الليلي عادياً، إذ انهار نقاد واتخربت بيوت، حين خرجت علينا روبي دون سابق إنذار، بـ "بدلة رقص برتقاني" تجوب شوارع مدينة أوروبية لا أذكرها – ولن أكلف نفسي عناء السيرش صراحة- وتغني بلهجة محببة إلى بعض النفوس.


إنت عارف ليه ؟


بحبك ليه ؟


وحبك ليه ؟


بيحلالي ؟


ليه، ها، ها ؟ ليه ؟


- علشان بتكون عاشق مجنون وحبك ليّا مالي الكون، مش محتاجة ذكاء يعني ..


عودة للواقع ..


كنت ألعب دورين في الحقيقة، دور المشاهد ودور "الناضورجي"، حين سألتني مها بنصف ابتسامة لا يخفى ما وراءها.


- مُنى، شوفتي كليب هيفاء الجديد؟


لم أرد، ولكني سحبت كرسياً لجوراها، وربما لأن مها بتفهمها وهي طايرة، وصلتها رسالتي الصامتة التي كان مفادها، مشوفتهوش طبعا، يلّا نشوفه حالا، وقد كان.


والله ليس لأن جزءا من إنجليزيتي "صدى من الركنة"، ولا لأن الصورة مبهرة ولا لأن هناك صورة أصلا، لكنني لم أفهم شيئا على الإطلاق، فلا أنا وجدت غناء لأفهم ما قيل، ولا استعراضات ولا نجحت في التعرف على ذلك الشاب الذي كان خطيب جينيفر لوبيز كما يقولون، ولا يصدر عني أي تعليق أصلا إلا أن تساءلت.


- هو الكليب ليه علاقة بفيلم إنترستلر؟


كنت طفلة حين بدأ شغفي بأفلام الأبيض وأسود، كنت شديدة الالتصاق بالتلفزيون، حين جلست أمي لجواري وقالت بحنان، مُنى لما يكون في ست بترقص في فيلم، غيري القناة، أنا واثقة فيكي، كنت "أد المسؤولية فعلا"، وحين كبرت قليلا بدأت أفرق بين رقصة في سياق الدراما ورقصات المخرج عاوز كده، ولكنني تعلمت في الوقت نفسه كيف أكون رقيبة على نفسي، إلا أنه وكلما زاد إعجابي بالأسلوب الذي اتبعته أمي، رحت أتساءل، ما الذي سأقوله لابني الذي قُدر له أن يولد في تلك الأيام السودا.


حبيبي، لما يكون فيه مغنية لابسة مايوه في كليب، غيّر القناة.


لم يكن ذلك كل شيء، للأسف، لأن اللي يشوف كليبات الناس، تهون عليه بلوته.


فجأة، وجدتني أمامها وجها لوجه، ربما هي لعنة فضول البنات وفضول الصحفيين حين يجتمعان في شخص هو أنا، شديدة الشبه بالعفاريت فاقعة ألوان ملابسها لا تسر الناظرين، حسنا ربما كانت مفيدة في رحلة تربية العيال، اللي مش هيسمع كلامي هيبقى زي برديس! ولكن مهلاً، برديس التي بدأت في الاهتزاز لتوها، ستغني لحناً أعرفه وتعرفه ويعرفه الجميع جيدا.


يا، يا، يا واد يا تقيل


يا، يا يا مشيبني


ياااااااه ده أنا بالي طويل وأنت ..


إنت عاجبني


أتماسك أمام هول المأساة، ولكن ظهور الموديل يعصف بي تماما، ويلحقني أنا وحسين فهمي في اللحظة ذاتها إلى حيث هي سعاد حسني، التي رحمها الله، قبل أن ترى ما فعله الزمن برائعتها، ولسان حالها، والله ورخصت يا تفاح.


فلاش باك ..


في واحدة من حلقاتها، استضافت هالة سرحان عددا من النقاد، الذين علقوا بدورهم عددا لا نهائيا من المشانق لمحمد سعد، وفيلمه "اللمبي" الذي "كسّر الدنيا"، لا لأي سبب سوى أنه تجرأ وتجبر وغنى حب إيه اللي إنت جاي تقول عليه، في فرحه على نوسة، فكيف لتراث تركته كوكب الشرق أن يلوث، حتى وإن كان سياقا كوميديا لا يخفى على الأعمى.


أين السادة الكرام من جريمة قناة شعبيات إذن، القناة التي وجودها باسمها بسلطاتها ببابا غنوجها جريمة في حد ذاته؟


أليس ما تركت سعاد، وترك صلاح جاهين وكمال الطويل، تراثا يستحق الغيرة؟


قبل سنوات، كنت أحاربهم بالحب، لكم دينكم ولي دين، تراقصن كما شئتن وليغنِ كلٌ على ليلاه، مادام الله قد خلق عبقريا اخترع جهاز الريموت كنترول،  فكل منا حرٌ في مساحته، لكنني فجأة شعرت بأنني محاصرة، تاهت قنواتي المفضلة بين عدد لا نهائي من قنوات الرقص والأغاني وشنبو سنيما وسيما علي بابا، ضعت أنا شخصيا بين ما أحب أن أراه وبين ما أضطر أن أراه وأراه فعلا.


قبل سنوات، ربما لم أكن أحارب أصلا، كنت أمتلك يقينا أتساءل اليوم عن مصدره أن هناك من يفرق بين الخبيث والطيب، وأن كل ذلك سينتهي حتما ذات يوم، لكن هذا اليوم لا يأتي أبدا، بل تزدهر صناعة المغنيات إياهن، والتسويق لهن، بينما العميقون قد ارتقوا لأن القاع قد ازدحم، ساحبين أيديهم من أي شيء، دون أن يدروا أنهم بذلك شركاء متضامنين مع هيفا، وبرديس.


قال سيد بعفوية "بقولك أيام سودا"، ونقلها عنه باسم يوسف – الذي أكرر أنني اشتقت إليه جدا- ضمن سكريبت يسد عين الشمس ووسط عشرات "الإيفيهات"، لكنه وبرغم ذلك كله، يبقى في نظري الأكثر صدقا، ومصداقية، وصاحب الرؤية الأصح للواقع.


يا ترى يا سيد لو شفت كليب هيفاء هتقول إيه؟


ولكن سؤالي الأهم..


أيهما أخطر في نظرك، دعوات خلع الحجاب الأخيرة، أم كليب هيفاء وهبي ؟


أجبني، ولنفتح بابا للمناقشة ..


للتواصل مع الكاتبة