جابريال جارسيا ماركيز.. عشق أمريكا اللاتينية
ران عليه الصمت لسنوات وأصابه النسيان، نسى كل شيء، حتى التفاصيل الصغيرة التي امتلأت بها الذاكرة، ليقضي سنوات من العزلة والنسيان، والتوقف عن الكتابة إلى الأبد حتى وفاته يوم 17 أبريل 2014.
إنه "جابريال جارسيا ماركيز"، الأديب الكولومبي، الذي أدهش العالم لعقود برؤيته، ونظرته النضالية الممزوجة بالكثيرمن الخيال، وبعض الفانتازيا الواقعية التي خلبت ألباب عشرات الملايين من القراء، وعرفتهم على العاطفة والخرافات، والعنف والمظالم في أمريكا اللاتينية.
إن قصة حياة "ماركيز" مدهشة، فقد عاش طفولته في كنف جده وجدته، وتربى بين خالاته وعماته، وعاش في كولومبيا حياة هادئة حتى أصبح شابا.
مائة عام من العزلة
عمل في البداية صحفيا ومراسلا خارجيا، وكتب الرواية في الثالثة والعشرين من عمره، إلا أنه لم يقبض مكافأة حقوق المؤلف التي تتيح له العيش من قصصه ورواياته، إلا بعد أن تجاوز الأربعين، وبعد أن نشر أربعة كتب بعوائد زهيدة حتى انتهى من روايته "مائة عام من العزلة" سنة 1967، ليحدث بذلك انقلابا في تكنيك الأدب الحديث والحكي المتطور، حيث كرّس لما سمي بعد ذلك بـ"الواقعية السحرية"، وبعد ثمان سنوات، أصدر "خريف البطريرك"، وفي 1981 قصة "موت معلن"، واستقبلت جميعها بحفاوة وثناء من قبل النقاد والقراء بالقدر نفسه.
جوائز ونجاحات
رغم اقتناعه الدائم بسوء طالعه، حاز ماركيز جائزة نوبل للآداب عام 1982، تقديرًا للقصص القصيرة والروايات التي كتبها، والتي يتشكل بها الجمع بين الخيال والواقع في عالم هادئ من الخيال المثمر، ويعكس حياة وصراعات القارة.
نال العديد من الجوائز والأوسمة طوال مسيرته الأدبية، مثل وسام "النسر الأزتيك" عام 1982، وجائزة "رومولو جايجوس" عام 1972، ووسام جوقة الشرف الفرنسية عام 1981.
يعد "ماركيز" من أهم الروائيين الذين كتبوا في القرن العشرين، وباعت روايته الملحمية "مائة عام من العزلة" التي نشرت عام 1967، أكثر من 50 مليون نسخة في أكثر من 25 لغة.
تشكلت موهبة ماركيز وامتلاكه لأدواته بسبب نهمه وانكبابه على القراءة النقدية، بعيدا عن المتعة فقط، وبذل جهدا كبيرا في سبيل المعرفة، إضافة إلى أنه عاش فترة في مدينة "بارانكيا" محاطا بأصدقاء مثقفين، صحفيين، شعراء، رسامين، نقاد يخلصون له النصيحة والنقد، واعترف بفضلهم عليه.
القارئ الناقد
"ماركيز" لم يكن يمر فوق النصوص عابرا، لكنه توقف أمام ما كتبه الحكماء، وأعاد قراءة النصوص بشكل مختلف، ليكتشف كيف كتبت، فأعاد قراءة "يوليسيس" لجيمس جويس، و"الصخب والعنف" لفوكنر برؤية نقدية، وكان معجبا بفوكنر في روايته "بينما أرقد محتضرا".
المؤرخ
الشهرة لم تتسبب في إنكاره لأصله، وظل مرتبطا بجذوره التاريخية، موثقا الصلة بين التاريخ الاجتماعي وتاريخ البلدات والمدن الأمريكية اللاتينية والتاريخ الفردي، متمثلاً بتاريخ شخصيات عسكرية، وكان متأثرا بتيار تصوير العادات والتقاليد الاجتماعية، الذي قدم نماذج تجديد في بداياته، لكنه تحول إلى الثبات في موضوعات وطنية كبرى.