السلطانة "هُيام".. أسطورة السحر والحب والنفوذ
يوافق اليوم 15 أبريل/نيسان الذكرى الـ457 لوفاة السلطانة "هورام"، أو "هُيام" مثلما نطلق عليها في عالمنا العربي، فاليوم ذكرى وفاة زوجة عاشر السلاطين العثمانيين وخليفة المسلمين الـ80، وثاني من لقب بـ"أمير المؤمنين" من آل عثمان، ومن أطلق عليه الغرب اسم "سليمان العظيم"، إنها الزوجة الثانية للسلطان سليمان القانوني.
تعد السلطانة "هيام" من أقوى سلطانات الدولة العثمانية، اللاتي كان لهن دور كبير في تغيير الأحداث، إذ يقال إنها كانت أول زوجات السلاطين اللاتي كان لهن شأن كبير في السياسة، كما توجه إليها اتهامات تاريخية بضلوعها في إعدام الصدر الأعظم "إبراهيم باشا"، وأكبر أبناء السلطان سليمان وولي عهده الأمير مصطفى.
هورام
ولدت "هورام "، مثلما يطلق عليها الأتراك، عام 1520 ببلدة "روهاتين" الواقعة غربي أوكرانيا، وأغلب الظن أنها ولدت لقس أوكراني أرثوذكسي، بينما تشير روايات آخرى إلى أنها يهودية الأصل، دون إسناد.
اسمها الحقيقي عند الميلاد كان "ألكسندرا ليسوفسكا"، واختطفت في عمر 15 عاما خلال الهجوم المعتاد من تتار القرم، وبيعت لاحقا لتلتحق بجواري السلطان سليمان القانوني، الذي أغرم بها وأعتقها وتزوجها.
سحر وحب ونفوذ
يؤكد معظم المؤرخين أن ألكسندرا على الرغم من جمالها المتواضع، إلا أنها استقطبت اهتمام السلطان سليمان منذ اللحظة الأولى، حيث كان لها تأثير "أسطوري" عليه، فيقول عنها الدبلوماسي النمساوي ديرنشاوم: "كان لـ"هورام" نفوذ عظيم إلى درجة دفعت بعضهم للتكهن بأنها سيطرت على السلطان بفعل "السحر"، فقد كانت كل طلباتها مجابة دون قيد أو شرط"، وأرجع المؤرخون جمالها الحقيقي إلى مرحها وذكائها، فكان يطلق عليها "السلطانة المرحة".
وكانت رسائل الحب المتبادلة أقوى دليل على ذلك، ومن بينها "يا سيدي أنت شمسي وسلطاني، أريد أن أسجد وألثم قدميك بدموعي وقبلاتي، إن حبي لك جنوني".
وكعادة السلاطين العثمانيين، فعندما يغرمون بامرأة يطلقون عليها اسما خاصا، وهذا ما حدث مع ألكسندرا، والتي سمّاها السلطان سليمان باسم "هورام"، والذي ينطق بالعربية "هويام"، والذي لازمها باقي حياتها.
وكانت هورام من طلب نقل مقر الحريم السلطاني من قصر "بايزيد" إلى قصر "طوبقابي"، لتكون على مقربة من السلطان سليمان، وتتمكن من حياكة مكائدها.
وكانت السلطانة الأم "عائشة حفصة" هي السيدة الأولى بالقصر، تليها زوجة السلطان الأولى وأم ولي عهده "ماهيدفران"، ولكن بعد دخول هورام القصر وعشق السلطان لها، وإنجابها ابنها الأول محمد عام 1521، باتت هي السيدة الثالثة في القصر.
وزادت الاشتباكات والصراعات بين هورام وزوجة السلطان الأولى، والتي كانت دوما تصب في صالح هورام، لعشق السلطان لها، ومكائدها حتى تمكنت من إثارة غضب السلطان على زوجته، ونقلها وابنها إلى مانيسا عام 1533.
وبعد إنجابها ابنها "جيهانجير"، تزوجها السلطان سليمان ضاربا بكل قوانين الولاية عرض الحائط، لتكون بذلك أول جارية يتزوجها سلطان عثماني، وبعد الزواج احتلت هورام المرتبة الثانية بالقصر خلفا لوالدة السلطان، وشهدت العاصمة العثمانية لهذه المناسبة احتفالات لم يسبق لها مثيل، امتدت أسبوعًا كاملاً، تلقت خلاله "هورام" الهدايا الثمينة من كبار موظفي الدولة وحكام الأقاليم.
وبعد وفاة السلطانة الوالدة في 1534، بات الملعب خاليا أمام "هورام"، فزاد نفوذها بشكل واسع، ومنذ هذه اللحظة بدأ عصر "الحريم" وسلطتهم في الدولة العثمانية.
انجبت هورام للسلطان سليمان الأمراء: محمد، سليم، عبد الله، بيازيد، جيهانجير، وابنته الوحيدة السلطانة ماهريماه، فضلا عن عدد آخر من الأولاد الذين توفوا في عمر صغير.
مكائد نسائية
يرى بعض المؤرخين أن السبب الحقيقي وراء إعدام الوزير الأول والصدر الأعظم، إبراهيم باشا، نتيجة لمكائد ودسائس "هورام"، إذ كانت ترى فيه عقبة كبيرة أمام بسط نفوذها الكامل على السلطان، ولكنن بعض المؤرخين يؤكدون أن إبراهيم باشا استحق نهايته، بسبب أخطائه وأطماعه في حق الدولة.
وكذلك تمكنت ألكسندرا بمساعدة زوج ابنتها "رستم باشا"، وابنتها "ماهرماه"، من قلب السلطان على ابنه الأكبر وولي عهده "مصطفى" لتنتهي مكائدها بقتل مصطفى.
كما ساهمت في إعدام الباشا قارا أحمد، الذي تولى منصب "الصدر الأعظم" عقب عزل رستم باشا من منصبه، بمكائدها ودسائسها هي وابنتها تمكنوا من إصدار قرار بإعدامه عام 1555.
أعمال خيرية
قدمت "هورام" العديد من الأوقاف والمنشآت الخيرية في العاصمة العثمانية، كما شملت أعمالها مكّة المكرمة والقدس.
و من أوائل أعمالها، بناء مسجد وإنشاء مدرستين قرآنيتين ومستشفى نسائي في القسطنطينية، بالإضافة إلى حمّام لخدمة المصلّين في آيا صوفيا. وفي القدس.
ودشنت عام 1552 وقفا لتقديم الطعام مجانا للفقراء، وعددا من الأسبلة، كما ابتنى لها المعماري الشهير "سنان باشا" جامعة اشتهرت باسم "خاصكي"، فضلا عن حمامين يحملان اسمها، يعدان نموذجا لعمارة الحمامات العثمانية.
وفاتها
توفيت هورام في 15 نيسان 1558، ودفنت في ضريح يتبع المسجد السليماني، وقد دفن زوجها السلطان لاحقا قريبا منها.
وتذكر بعض المصادر التاريخية أنها ماتت مسمومة بيد إحدى الوصيفات، التي يقال إنها كانت على علاقة بإبراهيم باشا، والتي دست لها السم انتقاما منها لتحريضها على قتل إبراهيم باشا في وقت سابق.