التوقيت الإثنين، 25 نوفمبر 2024
التوقيت 06:56 م , بتوقيت القاهرة

الغجري.. ع الأصل دور

"ادفني واقفا لأني عشت طول عمري مذلولا منحنيا على ركبتي".. انطلقت هذه الأنشودة بعد مئات السنين من الشتات والضياع والترحال بين أطراف المدن، ملتصق بهم صفات العار والتشرد والخيانة والشعوذة، يعبرون الصحراء والغابات هاربين خوفا من ملامسة البحار ومن لعنة مسمار المسيح.. هكذا يعيشون أبناء قابيل أو "الغجر".

من هم

"غجر".. كلمة هندية الأصل، وليست عربية، وكانت في الهند قديما لغة تسمى "الغجراطية"، كما يطلق على الغجري بالإنجليزية "Gypsy"، حيث تشير الكلمة إلى قوم رحالة جفاة مشتتون ومنتشرون في جميع قارات العالم.

ويصف قاموس اللغة العربية الغجري بالمتشدد أو المتسكع، ويُعرف الغجر أيضا بأسماء أخرى منها "جنكان" و"نور" و"القرباط" و"الغجار".. والاسمان الشائعان لهم غجر ونور.

البداية..لعنة أبناء قابيل

تعتبر التوراة أحد أهم المصادر التي اعُتمد عليها لمعرفة أصل سلالة الغجر، وبخاصة في سفر التكوين، حيث تشير التوراة إلى أنهم المشتتين من سلالة قابيل الملعونة، صاحب أول جريمة قتل في تاريخ البشرية، والتي وردت في الإصحاح الرابع عدد 12 (متى عملت الأرض لا تعيد تعطيك قوتها تائها هاربا تكون في الأرض)، وفي الإصحاح الرابع عدد 15 (وجعل الرب لقابيل علامة كي لا يقتله كل من وجده).

وقد حدد الإصحاح الرابع العدد 19 و22، مهنة الغجر (واتخذ لامك لنفسه امرأتين، اسم واحدة عادة، واسم الأخرى صلة، فولدت عادة يابال الذي كان ابا لساكني الخيام ورعاة المواشي، واسم أخيه يوبال، وكان أبا لكل ضارب عود ومزمار، وولدت صلة توبال قابين الضارب كل آلة من نحاس أو حديد).

وأكدت رواية أخرى تنبعث من المسيحية بأن الغجر كانوا موجودين من قبل الميلاد، فكان الغجر في رواق بيت لحم، وسرقوا الأغطية من على السيد المسيح في المهد، كما أنهم رفضوا إيواء العذراء ويوسف النجار والمسيح في خيامهم أثناء هروبهم إلى مصر.

وتقول إحدى الروايات إنهم كانوا حراسا على السيد المسيح، فسكروا وناموا، ولم يدافعوا عنه، وتركوه يلاقي مصيره.

أسطورة مسمار صليب المسيح

وعندما قُرر صلب السيد المسيح، أُرسل جنديين لإحضار 4 مسامير، لكن الحدادين رفضوا صنع المسامير، حينما علموا أنها لصلب المسيح، فقتل الجنديان حدادا يهوديا وآخر سوريا، ثم قابلا حدادا غجريا، فصنع 3 مسامير للصلب، وعندما بدأ صناعة الرابع، صار يسمع هاتفا يردده الحدادون القتلى، وهم يحذرونه من صنع المسمار الرابع، لكن الغجري صمم على صناعته، فأصبح المسمار مسحور ومنير بنور قوي، فتركه الغجري وحمل خيمته وهرب، ولاحقه المسمار المتوهج.

وما زالت لعنة المسمار تطارد الغجري من مكان إلى آخر، وهو مستمر في ترحاله، وظل يلاحق سلالات وأجيال الغجر أينما هربوا، لذا لا تجد لهم مكانا مستقرا، ولا لرحيلهم قرارا على مرالتاريخ، ويعتبر البعض ذلك سر صلب المسيح بـ3 مسامير فقط، وهي رواية شائعة بين الغجر إلى يومنا هذا.

رواية فرعون وفرعونة

تشير بعض الروايات إلى أن الغجر جاءوا من مصر بعد معجزة النبي موسى، حيث نجا اثنين منهم من حادث غرق فرعون، وأُطلق عليهما فرعون وفرعونة، ويعتبران آدم وحواء الغجر، فتناسلت منهما سلالات غجرية، ولذلك الغجر يخافون البحار والأنهار ويفضلون عبور الصحاري، لأن الماء يعتبر نذير شؤم في معتقداتهم، بل أنهم يكرهون الماء ولا يستحمون إلا  القليل منهم، فهو عندهم للشرب وسقي الحيوانات والطبخ فقط، ولا يوجد إلا قليلا منهم يعملون في صيد الأسماك.

الديانة

إلى اليوم لا يوجد للغجر ديانة محددة، حيث يعتنقوا الدين الموجود بالدولة التي هجروا إليها، وانقسموا في ديانتهم حسب موقعهم الجغرافي، حيث أصبح جزءا منهم مسلمين، كما في البوسنة والهرسك، وآخرون اعتنقوا مذهب الأرثوذكس في صربيا والجبل الأسود، كما أصبح معظم الغجر في أوروبا الغربية رومان كاثوليك.

الزواج

كان الزواج عند الغجر قديما يتم عن طريق خطف إحدى بنات العائلات الأخرى، أو الشراء، حيث يبيع الأب ابنته بمقابل مادي تتفق عليه العائلتين، وهو الأمر الأكثر شيوعا، ولا يجوز زواج الغجري إلا من غجرية، وإلا يُطرد من العشيرة.

وتعقد مراسم الزواج بأن يكسر رئيس العشيرة رغيف خبز قسمين، ويضع ملحا داخل كل قطعة، ويقدمها للعروسين، ويقول لهما: "عندما تملان هذا الخبز والملح، يمل أحدكما الآخر"، ثم يتبادل العروسان القطعتين قبل الأكل.

والغجرية الحامل تُعفى من جميع الشؤون المنزلية، ولا يلمس زوجها الابن بعد الولادة، إلا بعد شهرين.

الغجر في مصر وعادتهم

تمتلك مصر ثلث غجر الشرق الأوسط، ويتراوح عددهم حوالي مليون غجري، مفرقين في جميع أنحاء البلاد، ومن كثرة هجرتهم إلى مصر قديما، يُشاع أن الأوروبيين أطلقوا على مصر لقب إيجيبت (Egypt) نسبة إلى كلمة جيبسي (GYPSY)، إلا أن هذا يعتبر لا أساس له من الصحة، حيث أن اسم (إيجيبت) جاء من القبطية القديمة.

يعيش الغجر في مساكن وبيوت تناسب المنطقة أو القرية التي يرحلون إليها مع مستواهم المادي، وعادةً تكون بيوتهم بسيطة ومشيدة بالطوب الأحمر أو الخوص والأخشاب، ويتوسط مساكنهم ساحة أو حوش لتربية الأغنام والكلاب.

وتحتوي بيوتهم على الأدوات الضرورية، مثل أطباق الطعام وأغطية النوم، ويميل الغجر إلى السكن في أطراف القرى أو المدن، وذلك لميلهم إلى الانعزال وعدم الاختلاط بسكان المدينة وربما لعدم متابعة أحد نشاطهم وعادتهم.