التوقيت الثلاثاء، 24 ديسمبر 2024
التوقيت 03:41 ص , بتوقيت القاهرة

تسريبات الإنترنت وعرش Game of Thrones

الشتاء قادم Winter is coming


العبارة الشهيرة التي تعرفها حتما إذا كنت من المتابعين لمسلسل لعبة العروش Game of Thrones  ترتبط بمصدر قلق للأبطال. لكن بالنسبة لقنوات HBO  ومنتجي للمسلسل، فإنّ ما حدث في أبريل الحالي وربيعه مصدر القلق الحقيقي. بعد أن تسرّبت أول 4 حلقات بالكامل، من إجمالي 10 حلقات، تمثل الموسم الخامس، إلى مواقع التورنت والتحميل غير القانوني، قبل بداية عرض أول حلقة رسميا في 12 أبريل، بنحو يوم كامل.


السبب المعلن رسميا الآن يعود إلى نسخ الـ Screener  التي ترسلها الشركة إلى النقاد والموزعين. شخص ما منهم قام بتسريب نسخته، وخلال أول 24 ساعة فقط من التسريب (وقبل انتشار الخبر)، تم تقدير عدد مرات التحميل غير القانونية في مواقع التورنت وحدها، بأكثر من 1.7 مليون نسخة. والمؤكد أن الأرقام في تصاعد جنوني حاليا، بعد أن عرف أغلب عشاق المسلسل بالخبر.


Trailer


يقارن البعض التسريب ببعض الحوادث المماثلة مع أفلام السينما، متوقعا تأثيرا سلبيا بسيطا للتسريب على ضوء هذه المقارنة. وهي وجهة نظر لا أتفق معها، ولا أرفضها تماما أيضا. 


أول مرة تعرّض فيها عمل ضخم لحادث تسريب مماثل قبل العرض، كانت مع فيلم X-Men Origins: Wolverine عام 2009. لكن النسخة المُسرّبة قبل عرض الفيلم بأكثر من شهر كامل لم تكن النهائية، واحتوت على مشاهد عديدة قبل إضافة لمسات الجرافيك الأخيرة.


وقتها تم تقدير عدد مرات التحميل الإجمالية للنسخة قبل بداية عرض الفيلم في قاعات السينما، بأكثر من 15 مليون تحميل. وهو رقم يعكس خسارة مادية ما في قيمة تذاكر، كان سيدفعها نسبة من نفس الجمهور لمشاهدة الفيلم في السينما. السؤال المحير هنا، كم تبلغ تحديدا هذه القيمة؟



أما أقرب حادث مماثل للذاكرة، فقد كان مع فيلم The Expendables 3  الصيف الماضي، عندما تسرّبت نسخة كاملة منه قبل بدء العرض بـ 3 أسابيع تقريبا. وقتها قلل البعض أثر الخسائر، طبقا لنظرية اتفق معها، وهي أن كل تحميل غير قانوني قبل بدء عرض الفيلم، لا يعادله بالضرورة تذكرة مُباعة أو نسخة أقراص منزلية قانونية في حالة عدم التسريب. 


نفس السؤال تكرر من جديد عن قيمة الخسارة الفعلية. لكن النقطة المهمة هنا، أن البعض قام بحسبة كاملة، افترض فيها أن كل من حمل النسخة غير القانونية من Expendables 3، كان سيشاهد الفيلم في السينما بدون التسريب، وانتهى إلى قيمة تمثل (الحد الأقصى للخسارة). تم تقدير الرقم بقرابة 27 - 35 مليون دولار. مبلغ غير هين، لكنّه في النهاية لا يغير وضع الفيلم  180 درجة، بالنظر لسلسلة تحقق أفلامها في المتوسط (275 - 300) مليون دولار. 



رغم هذا، فإن جمهور السينما عالميا، وبعيدا عن موقفه الأخلاقي من التحميل غير القانوني يملك سببا حقيقيا لإهمال النسخ المسربة في الحالات السابقة. بسبب رغبته في الاستمتاع بفيلم وسلسلة يحبها على شاشة السينما. وهو ما لا ينطبق على الحلقات المسربة من المسلسل. سواء اخترت تحميل النسخة المسربة الموجودة حاليا، أو انتظرت العرض الرسمي، ففي الحالتين ستشاهد العمل على شاشة تليفزيون، وبجودة متقاربة. 


وبالطبع يوجد ملايين، كانت ستشاهد حلقات الموسم الخامس عن طريق التحميل غير القانوني بدون حدوث التسريب. السؤال فقط، هل ستقوم بتحميل هذه الحلقات ومشاهدتها الآن، أم بعد موعد عرضها الرسمي؟.. الغالبية العظمى من جمهور الشرق الأوسط تنتمي إلى هذة الشريحة.



لعبة العروش له سجل متواصل حافل منذ المواسم السابقة في صدارة أرقام التحميل غير القانوني. والطريف أن جيف بويكس رئيس مجلس إدارة مجموعة Time Warner  لخدمات العرض والتوزيع التليفزيوني، وصف هذا عام 2013 باعتباره مكسبا تجاريا. مرددا جملة، أصبحت شهيرة حاليا: "المسلسل الأكثر تحميلا بشكل غير قانوني في العالم. هذا اللقب أفضل لـ لعبة العروش من الفوز بجوائز إيمي".


وجهة نظر بويكس المتصالحة مع التحميل غير القانوني وقتها، تتعلق بصدى المشاهدة والشهرة على نطاق واسع عالميا. الإنترنت والتحميل غير القانوني، خلق في مقابل الخسائر جمهورا للمسلسل، لم يكن ليشتريه قانونيا في جميع الحالات. وجمهور أكثر = ضجيج إعلامي عالمي أكبر(1).. وضجيج إعلامي عالمي أكبر = دعاية مجانية أقوى (2).. ودعاية مجانية أقوى = مبيعات قانونية أكثر (3). 


باختصار التحميل غير القانوني في لعبة العروش بالأخص، ساهم في انتقال تصنيف المسلسل عالميا من خانة (يُنصح بالمشاهدة) لخانة (واجب المشاهدة Must Watch). ستلمح هذا في مصر مثلا، عندما يستنكر أحد الطلبة الجامعيين عدم مشاهدتك للمسلسل بعبارة من نوعية: هو فيه حد مش بيشوف Game of Thrones؟! 



رغم هذا، فالحديث عن تحميل غير قانوني لحلقات تمت إذاعتها، يختلف كثيرا عن الحديث عن تحميل غير قانوني لحلقات لم تعرض بعد (التسريب). خاصة مع العلاقة القوية والمعقدة للمسلسل مع الإنترنت.


جزء كبير من شعبية المسلسل وإثارته وسط جمهوره مرتبط بطريقة وترتيب العرض. الجمهور يرى حلقة في عطلة نهاية الأسبوع، ليستمر الجدل والنقاش حول مفاجآتها وأحداثها، وما يمكن أن يحدث في الحلقة التالية، حتى عرض الحلقة التالية. إجمالي 10 حلقات كل موسم على مدار 10 أسابيع. ثم انتظار للموسم التالي.


التفاعل المستمر والمباشر مع الأحداث حلقة بحلقة، وما يوفره الإنترنت حاليا ومواقع السوشيال ميديا بالأخص، كملعب فوري لهذا التفاعل، يضيف للمسلسل متعة خاصة. دعك طبعا من الهواية السخيفة للبعض في حرق الأحداث، بسبب معرفة مسبقة بالروايات. وهي الهواية التي تثمر أيضا عن تفاعل آخر من نوع اعتراضي ساخر على الإنترنت!




في جميع الحالات يمثل كل ما سبق بروباجندا خاصة جدا للمسلسل. بالنسبة للبعض، لعبة العروش ليس مجرد مسلسل آخر. بل عمل له طقوس خاصة في المشاهدة والمتابعة الفورية. شىء أشبه مثلا بمتابعة مباريات الكرة. نشاهدها كلنا في نفس الوقت. نتفاعل مع أحداثها وأهدافها لحظة بلحظة على الإنترنت. ينتج عنها مع صفارة النهاية مئات وآلاف الكوميكس والفيديوهات والنكات في السوشيال ميديا. كل هذا يمثل متعة إضافية للمبارة نفسها، لم تكن متوفرة منذ سنوات بسيطة قبل اكتساح السوشيال ميديا.


الآن بعد التسريب انكسر هذا الترابط نسبيا. عدد ما من المتفرجين شاهد (أو سيشاهد خلال أيام) الـ 4 حلقات كاملة. وعدد ما يريد التفاعل بالشكل الأصلي (حلقة أسبوعيا). الفئة الأولى وضوضاء الإنترنت، ستغري الفئة الثانية غالبا بالمشاهدة السريعة، خاصة أننا نتحدث عن فارق شهر كامل. ومع معادلة (تحميل غير قانوني أو أنتظر)، فمن المؤكد أن الخسائر المادية لن تكون بسيطة. 



من الصعب تحديد تأثير هذا على أرقام مشاهدة ومبيعات أول 4 حلقات رسميا، لكن لحسن الحظ سنحصل على أرقام تسمح بمقارنة عملية، بمجرد عرض الحلقة الخامسة، التي ستشهد أخيرا عودة كل المتفرجين إلى مشاهدة المباراة على الهواء جميعا من جديد!.. ما لم تكن حلقات الموسم كله قد تم تسريبها، والمسألة كلها مسألة أيام، قبل توفر الـ 6 حلقات الباقية. واذا حدث هذا، فحجم الخسائر سيختلف تماما، ويصبح أضعافا مضاعفة.


وللتأكيد فالمقصود هنا بـ خسائر، لا يتعلق بحصول المنتجين على عائد أقل من تكلفة إنتاج المسلسل. لأن هذا مستحيل والربح مضمون وبهامش عالٍ. المقصود بالخسائر، هو قيمة ما كان يمكن بيعه لولا التسريب.


في جميع الحالات، تتراكم الخبرات بفضل هذه المواقف المأساوية. وجيش طويل من خبراء التحليل حاليا، يحاول فك شفرة الموقف، وتأثيره التجاري، للخروج بدروس مستفادة، وبأرقام تقديرية.


بقي أن أطلب من القارئ العزيز المتابع للمسلسل، المشاركة في الاستفتاء الموجود، بخصوص موقفه من الحلقات المسربة، ودعوة أصدقائه للمشاركة. كمحاولة لمعرفة طريقة التعامل السائدة لجمهور المسلسل حاليا مع الحلقات المسربة.