جنون "إدجار آلان بو" عسير على هوليوود في Stonehearst Asylum
فيلم مصحة ستونهريست Stonehearst Asylum المعروض حاليًا، يبدو على الورق كمشروع واعد. قصة قصيرة شهيرة غريبة كتبها شاعر الغرائب وأديب الرعب إدجار آلان بو. قالب يسمح بصناعة فيلم إثارة وتشويق مليء بالمفاجآت. طاقم تمثيلي رفيع المستوى يضم بن كنجسلي - مايكل كين - كيت بيكنسيل - جيم ستورجس. وأخيرًا مخرج ماهر مثل براد أندرسون، زار سابقا محطة الاضطرابات النفسية عدة مرات، وقدم خلالها أعمالا جيدة، أشهرها The Machinist مع النجم كريستان بيل.
مع ميزانية أعلى مقارنة بأعمال المخرج السابقة، واختيار بريطانيا كموقع للأحداث بدلا من فرنسا، مركز أحداث القصة القصيرة الأصلية نظام الدكتور تار والبروفيسور فيثر The System of Doctor Tarr and Professor Fether للاستفادة من أجواء الرعب الإنجليزية الكلاسيكية السينمائية، يبدو المشروع واعدا أكثر. وفرصة جيدة لاستعادة رونق أفلام الغموض والرعب القديمة التي قدمتها استوديوهات هامر العريقة. لكن كل هذا للأسف لم ينتهِ بعمل جيد يليق بالتوقعات.
البداية الجيدة للفيلم عام 1899 مع مشهد لدرس موتر لطلبة الطب في جامعة أوكسفورد، بخصوص حالة إليزا المريضة بالهستيريا (كيت بيكنسيل). قبل أن تنتقل الأحداث سريعًا إلى إدوارد (جيم ستورجس). الطبيب الشاب الذي يرحل إلى مستشفى ستونهريست المعزول في منطقة نائية، والمخصص لعلاج المجانين والمرضى نفسيًا.
إدوارد يصطدم فورًا بمنهج العلاج الغريب لمدير المستشفى د.سيلاس (بن كنجسلي). الذي لا يهتم بعلاج ونفي أوهام مرضاه، بقدر ما يترك لأوهامهم الحبل على آخره. سيلاس يؤمن أن المريض الذي يعتقد مثلا أنه دجاجة، يجب أن يعامله الأطباء والممرضون باعتباره دجاجة!.. وبهذه الطريقة يُصبح المستشفى المخصص لعلاج المجانين مركزا لتقديس الجنون نفسه وموقعًا للغرائب. أو كما يردد د.سيلاس في عبارة منقولة بالنص من القصة القصيرة:
"كلنا كبشر مجانين. بعضنا فقط على درجة جنون عالية تمنعه من الاعتراف بذلك".
سمحت القصة القصيرة بتكثيف أعلى وأسرع للمفاجآت المتتالية في الأحداث خلال عدة صفحات، وهو ما يترك القارئ في دوامة جنونية متواصلة، تعادل حيرة البطل الراوي نفسه في تفسير ومتابعة ما يحدث حوله. مط الأحداث في الفيلم، وتوزيع المفاجآت على مدة زمنية أطول دمر هذا التأثير. خاصة أن الفيلم لا يحافظ على وجهة ثابتة. أحيانا يبدو كفيلم غموض ورعب، وأحيانا كقصة حب وسط أجواء مضطربة، وأحيانا كدراما تاريخية، وأحيانا كفيلم عبثي بإسقاطات فلسفية على البشر الطموح، ليصبح عدة أفكار ومحاور منسجمة في عمل واحد، انتهى بفيلم لا يحقق الإشباع في أي محور.
رغم هذا قدم طاقم التمثيل ذو الغالبية الإنجليزية أداء جيدا. لكن الأسماء الكبيرة في النهاية عنصر آخر، يجعلك تتحسر على الفرص الضائعة للعمل. بن كنجسلي يقدم ربما الأداء الأجود وسطهم، لكن وجوده ترك تأثيرا سلبيا جدا. لأنه يكرر هنا شخصية قدمها من قبل، في عمل آخر أفضل وأهم، دارت أحداثه أيضا في مستشفى معزولة لعلاج المرضى نفسيا والمجانين، وهو Shutter Island 2010. مع المخرج مارتن سكورسيزي والنجم ليوناردو دي كابريو. استحضار الفيلم الأخير عفويًا أثناء المشاهدة، يجعل مصحة ستونهريست عمل أقل وأقل.
وعلى عكس السيناريو، اجتهد مدير التصوير توم ياتسكو وطاقم إدارة الإنتاج والأزياء وخلافه، لاستلهام أجواء وكلاسيكيات الرعب البريطانية بشكل جيد. ومن المؤسف أن كل هذا الجهد الأنيق انتهى دون جدوى.
أساطير عديدة تحكي عن إدجار آلان بو، والمؤكد أنه عانى من اضطرابات ومخاوف عديدة، كانت وقوده لكتابة كل هذا الكم من القصص القصيرة المرعبة. يرى البعض أن سر عظمة أعماله عن الجنون والوساوس والهلاوس، يكمن في أنه كتبها بلمسة فعلية ما من كل ما سبق، وهو ما لم يفعله براد أندرسون في فيلمه. عدوى الجنون والشك واللامنطق تنتقل للقارئ في القصة، وهو ما لم ينقله الفيلم للمتفرج.
باختصار:
اقتباس متواضع من هوليوود، يفتقد لتشويق وجنون ورعب القصة القصيرة الأصلية لـ إدجار آلان بو، رغم الأداء الجيد والتنفيذ المتقن في بعض العناصر.