الغجر في المأثور الشعبي المصري
الاسم الهنجرانية، منازلهم خيام رحالة، وهجراتهم وصلت إلى كل بقاع الأرض، أما شعوبهم فهم "الرومن" في أوروبا و"الدومي" في الشرق الأوسط، إنهم الغجر، ملح الأرض كما يقولون، حكاياتهم مصدر إلهام للفنانيين والأدباء، ملوك لعادات الترحال رغم ما حل بهم من سبل الاستقرار، التي فلحوا مؤخرا في انتزاعها من المجتمع، لكن تظل عيونهم رغم ذلك متسائلة، فتاريخهم ما زال غير مدون.
أسطورة الترحال التي كتبت على وجوههم السمراء التي كوتها الشمس، يجيدون الضحك على الأشياء بالمهارة نفسها التي يجيدون بها الضرب على الأوتار والنفخ في الآلات، لهم باع طويل في سرقة البهائم ورؤية الطالع وضرب الخيام.
"غجر" في مصر، كلمة سب وتحقير، فيُقال "ناس غجر". واستخدمت كلمات "غجر" و"نوري" و"غازية" في الأمثال الشعبية، فهناك مثل يقول "الغجرية ست جيرانها"، وهو يعني أن المرأة السفيهة سليطة اللسان، يتقي جيرانها شرها، فتصبح مهابة بينهم. وآخر يقول "الدنيا زي الغازية ترقص لكل واحد شوية"، ويعني أن الدنيا لا تدوم لأحد كما لا يدوم ود الغازية، وهناك مثل آخر "ألف نوري ولا دمنهوري"، أي أن الواحد من أهل دمنهور في دلتا مصر، قد يتفوق في الأذى على ألف نوري "غجري". ولا ندري سر التحامل على أهل دمنهور، فقد كانوا يوصفون بأنهم "صباغو الحمير"، أي يسرقون الحمير ويصبغونها حتى يصعب التعرف عليها عند بيعها.
ليس للغجر زيا قوميا، فهم يرتدون ملابس المكان الذي يقطنون فيه، مع إضافة بعض الألوان الصارخة والأقمشة المطرزة والحلي الغريبة مع تعاويذهم، ولم يعرف الغجر الأحذية إلا في النصف الثاني من القرن الماضي، أما سمة الوشم الجمالية، فهي الأبرز لدى الغجر، خاصة عندما يشمل الخدين، الفك، الجبين كف اليدين، ومتى توفي الغجري، فإنهم يدفنونه حسب طقوس البلدة التي يعيشون فيها، ثم تجتمع أسرة الميت وعشيرته في مكان خال، ويجلسون راكعين في شبه دائرة، تتوسطهم ملابس الميت، ثم يشعلون النار فيها، حتى تتصاعد ألسنتها، فيسجدون حولها، ويضعون التراب على رؤوسهم، مع الولولة والصياح، حتى تخمد النار وتصبح ملابس الراحل رمادا، فيجففوا دموعهم وينطلقوا إلى أعمالهم، وينتهي الحداد.
عرف عن الغجر ارتباطهم بالموسيقى عزفا وغناء ورقصا، وأغنياتهم تدور في فلك الحب والفقر والظلم، وفيما بعد عن الحرية، ويمكن اعتبار الحنين جوهر الأغنية الغجرية.
ليس للغجر موسيقى مشتركة، وحفظوا أغانى وموسيقى الشعوب التي شاركوها الحياة، وأضافوا إليها نكهتهم الخاصة، ولهم تراثهم من الحكايات الشعبية والخرافات، التي تعكس ثقافاتهم جيل إثر جيل. يتكلم الغجر لغة واحدة هي نوع من لغة "الأسبرانتو"، عبارة عن خليط من لغات العالم، تحوي أبجدياتها ألفاظا من اللغتين العربية والهندية، وكلمات كثيرة من اللغة الفارسية.
مارس الغجر السحر الأسود، الذي يعتمد على الرقى الشريرة، بغرض إيذاء الأعداء، ولذوي الحظ العاثر، والعاشقات المنتقمات والعوانس والباحثات عن الحمل، وهم لا يمارسون هذه الممارسات فيما بينهم، بل ظلت إحدى الحرف التي يمارسونها مع غيرهم بقصد الارتزاق. تستند قراءتهم للكف على الأصابع، فلكل إصبع رموزها الخاصة وعلاقتها بملامح الشخصية وسماتها، كما استخدموا ورق اللعب "الكوتشينة" لقراءة الطالع.
الغجر في السينما المصرية
مثلوا أدوار الغوازي وضاربات الودع والقرادين، كما صورت السينما أماكن إقامتهم وخيام الخيش التي يعيشون فيها. وأنتجت أفلام يظهر الغجر في عناوينها مثل "الغجرية"، عام 1960، سيناريو وحوار وإخراج السيد زيادة، تمثيل هدى سلطان وشكري سرحان، وفيلم "غازية من سنباط"، أنتج 1967 من إخراج السيد زيادة، تمثيل شريفة فاضل ومحمد عوض.