التوقيت الإثنين، 23 ديسمبر 2024
التوقيت 07:13 ص , بتوقيت القاهرة

قتل مقدس.. عمر خورشيد يعزف في جنازة يحيى الطاهر عبدالله

1
عصابات صهيونية تفتح النار على كل من تجده في طريقها، وتقتل أكثر من350 شخصا، ما بين أطفال لشيوخ لنساء ورجال، وبينما تقف فتاة جميلة مذعورة بجوار باب منزلها، يختطفها أفراد من العصابات ومعها أهلها، ويتجهون بها إلى قرية يهودية ويغتصبوها أمامهم، ثم يقطعون نهديها ويلقونها في النار.


2
ضج الناس من القمع الأمني، وثًبُت كذب قادتهم في تحقيق الرخاء الاقتصادي، فخرجوا إلى شوارع العاصمة الجورجية، تبليسي، للتظاهر ضد الحكم الشمولي، لتفتح قوات الأمن النار عليهم، وتقتل 20 شخصا وتصيب المئات.
 
 
3
رجل الدين الشيعي العراقي، محمد باقر الصدر، يتعرض لمؤامرة من الخميني في إيران، حيث بث الأخير رسالة عبر إذاعة طهران العربية، يطالب الصدر خلالها، بالثبات أمام حاكم العراق وعدم مغادرة بلده، واصفا إياه بحجة الإسلام. وبهذه الرسالة قدّم الخميني الدليل المادي لصدام حسين، على عمالة الصدر لإيران، فصدر الأمر بإعدام أقوى الزعامات الشيعية في العراق، ليرتاح صدام حسين من قلقه، ويتخلص الخميني من مرجعية دينية، قد تنافسه على زعامة الشيعة يوم ما.

تخيل نفسك أمام فيلم سينمائي من إخراج يوسف شاهين، وسترى المشاهد الماضية عبثية، لا علاقة لها ببعضها، وبالتالي فإنك لا تفهم منها شيئا... ولكن اعتقادك غير صحيح، ونابع عن كسل عقلك.

سنأخذ استراحة قبل بدء الجزء الثاني من الفيلم، وسأشرح لك فلسلفة تلك المشاهد، وأؤكد لك أن بينها روابط قوية جدا، أولها وأقواها أنها تعبر عن "قتل مقدس"، نعم "قتل مقدس".
 
المشهد الأول "1" كان في قرية دير ياسين، وقُتل فلسطينيون واغتُصبت فتاة وقُتلت ومُثّل بجسدها، باسم قداسة الدين اليهودي. في المشهد الثاني "2"، قُتل متظاهري تبليسي في جورجيا، باسم قدسية الدولة وحفظ النظام الاشتراكي السوفيتي. وفي المشهد الثالث "3"، قُتل محمد باقر الصدر في العراق، باسم قدسية صراع العرب مع الفرس، و اقتتال السنة مع الشيعة.
 
الرابط الثاني، أن تلك المشاهد جمعها وقعت يوم 9 أبريل، أي في مثل هذا اليوم، ولكن الأول "دير ياسين" كان عام 1948، والثاني "تبليسي" في 1989، والثالث "الصدر" كان في سنة 1980.  أما الرابط الثالث، فهو الديكتاتورية السياسية الطاغية على المشاهد، والتي لا تقبل أن ينازعها أحد في السلطة، أو يفلت من زمامها. 


نستأنف الفيلم، لنصل إلى مجموعة من النهايات.
1
إعلان استقلال جورجيا عن الاتحاد السوفيتي، في ذكرى قمع مظاهرة تبليسي، عام 1991.
 
2
دخول قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة إلى بغداد، وسقوط نظام صدام حسين وهدم تمثاله، الموجود في ساحة الفردوس بالعاصمة العراقية، في ذكرى إعدام "الصدر" ولكن عام 2003.

3
لازالت إسرائيل تعربد في فلسطين وترتكب المزيد من المجازر، ولذلك مات يحيى الطاهر عبدالله، شاعر القصة القصيرة، كما وصفه يوسف إدريس، والذي كان مهموما بالإنسان الفلسطيني. مات يحيى في ذكرى مذبحة دير ياسين، عام 1981؛ فما عاد يجدي تألمه من أجل القضية، ولم تفعل كتاباته شيئا من أجلها، ويبدوا أنه تأكد أن قصته القصيرة "الفلسطيني" المنشورة في مجموعة "الرقصة المباحة"، ستظل مشهدا مأساويا متكررا، ففضل الموت.


وبما أن هذا الفيلم الكوني التاريخي، اختار 9 أبريل ليكون دمويا محتقِرا للإنسان، قرر مُخرجه أن تموت ضحكة، فتوفي الفنان الكوميدي فؤاد خليل، في مثل هذا اليوم من عام 2012.

مات يحيى الطاهر عبدالله وفؤاد خليل، ولازال هتلر يحاول إخضاع العالم له، بآلته العسكرية، التي احتلت الدنمارك والنرويج، في مثل هذا اليوم من عام 1940. 
ولازال عبدالعزيز بوتفليقة الذي أصبح قعيدا، يفوز برئاسة الجزائر، كما فاز بها في مثل هذا اليوم من عام 2004، وكما فاز بالانتخابات التي أجريت في مثل هذا اليوم من عام 2009.


مات أدب وماتت كوميديا، ولازال الطغاة يستعبدون الدنيا ويسفكون الدماء من أجل مجدهم الشخصي، كما فعل تيمور لنك، المولود في مثل هذا اليوم من عام 1336.
مات يحيى ليبقى عمر خورشيد، المولود في مثل هذا اليوم 9 أبريل من عام 1945، يعزف مقطوعته الحزينة "حتى آخر العمر".