سلاح المرأة الفتّاك
في هذا الجزء من العالم توجه للنساء مجموعة من التهم "المعلبة" أشهرها أن النساء "زنانة" والنساء "نكدية". المدهش أن تلك التهم المُعلبة ليست محلية الصنع كما يظن البعض. فالنساء في كل ركن معمور تتهم بالزن والنكد. لأن الزن والنكد ما هما إلا عرض لمرض، والمرض هو السلوك العدواني السلبي Passive Aggressiveness.
وكما هو واضح من المصطلح، السلوك العدواني السلبي هو التصرف بعدائية لكن بغير عنف ظاهري.. ومن أمثلة ذلك إخفاء المشاعر الحقيقية، التسويف والتأجيل، استخدام "سلاح الصمت"، الموافقة ظاهريًا على شي وفعل عكسه، التناسي، الكذب، المراوغة، اختراع الحجج، السخرية، العناد، والفشل المتعمد في إنهاء المهام المطلوب إنجازها.
السلوك العدواني السلبي هو كل تصرف نابع من غضب غير مصرح به. ومن أشهر نماذجه ما سجله محمد فوزي في كلاسيكية الأطفال الشهيرة "ذهب الليل". يخبرنا فوزي في الأغنية قصة فيفي وسوسو.
"أبلة قالتلي فيفي الحلوة زعلت من سوسو، راح يصالحها وباسها وهي حلفت ما تبوسه. جابت الحبر وعاصت إيدها وجت بشويش جنبه، مسحت إيدها في وشه وعملت قال إيه بتلاعبه. سوسو ضربها ومسك الحبر اللي في إيديها وقلبه، على فستانها وشافهم بابا، وضربها وضربه".
فيفي في الأغنية كما هو واضح فتاة، لسبب مجهول غضبت من ولد اسمه سوسو. حاول سوسو استرضاء فيفي بقبلة ولكنّها رفضت. فيفي غاضبة ولا يمكنها التعبير عن غضبها. لجأت فيفي لما تلجأ له بنات حواء، قامت بمداعبة سوسو في حين أنها لا تقصد مداعبته. قامت فيفي بتصرف عدواني ولكنه سلبي.. غير عنيف. لم تلجأ فيفي لضرب سوسو مثلًا. لم تتشاجر معه.. فقط "داعبته" بسخافة.
ما قامت به فيفي الصغيرة في الأغنية هو ما تقوم به ملايين النساء حول العالم. "نكدت" فيفي على سوسو. وستظل فيفي تتبع نفس نمط "التنكيد" في كل مراحل حياتها لأنها غير قادرة على التعامل مع غضبها بطريقة سليمة. والسبب سوسو ورد فعله العدواني، والأب الذي تصرف بعدوانية أكبر وقام بضربهما.
فالنساء أكثر من الرجال في استخدام السلوك العدواني السلبي لأنهن "أضعف" جسديًا من الرجال. لا يمكن للمرأة "العادية" أن تعبر عن غضبها وتأمن رد الفعل. قد يؤدي التعبير الصريح عن الغضب لاستخدام عنف لا يمكنها صده مثل نموذج العنف في الأغنية. وحتى وإن لم يكن العنف هو السبب الصريح، تلجأ النساء للسلوك السلبي العدواني لأنهن يخشين تبعات التعبير الصريح عن الغضب.
النكد والزن هم المقاومة السلمية غير عنيفة للنساء داخل العلاقات المختلفة. وهو سلاح ماضٍ رغم وصفه "بالسلبي" و"السلمي". يوفر السلاح للمرأة "الحماية" التي تظنها. فهي تحمي مشاعرها أولًا بتجنب الاعتراف بها. وتحمي العلاقة ثانيًا من مواجهات قد تدمرها. وتحمي نفسها جسديًا لو كان رد الفعل العنيف مطروحًا في الموقف.
لكن في الحقيقة هذه الحماية واهية. والسلاح الفتّاك ليس سلاحًا دفاعيًا كما يبدو من استخداماته الناجحة. السلاح الفتاك يفتك بمستخدمه قبل أن يفتك بما يهدده.. فمثلًا إخفاء المشاعر قد يحمي من المواجهات والخسارة التي قد تتبعها ولكنه يعني أيضًا أن لا أحد سيتمكن من فهمك ولا فهم دوافعك. مما سيؤدي لدائرة مفرغة من المشاعر السلبية وإخفائها وعدم الفهم .. إلخ
عدم مواجهة "السلطة الغاشمة" في العلاقة يؤدي لتعزيز العلاقة السلبية التي أدت للسلوك العدواني السلبي في الوقت الذي يجب أن تواجه تلك "السلطة الغاشمة" بحقيقتها كأساس للوصول للحياة الهادئة.
السلوك العدواني السلبي نابع من غضب وخوف، الاستمرار في استخدامه يعني الحياة بصفة مستمرة تحت سطوة الغضب والخوف. مما يعني أن "النكد" يتحول مع الوقت من سلاح دفاعي لطريقة حياة.
وللأسف علاج السلوك العدواني السلبي يحتاج إلى مجهود مشترك، مما يعني أن الطرف الأضعف (غالبًا المرأة) عليها أولا مواجهة نفسها بمشاعرها وأسبابها ومخاوفها. ثم على الطرف المتسبب في هذا الخوف والغضب العمل مع هذا الطرف الضعيف على حل المشكلات بطريقة آمنة.
وهنا مصدر "للأسف" في أول الجملة، لأن "المجهود المشترك" أو عدم وجود مجال له تحديدًا سبب رئيسي من أسباب السلوك العدواني السلبي.
لكن المثابرة تصنع المستحيل!