التوقيت الأربعاء، 06 نوفمبر 2024
التوقيت 03:30 ص , بتوقيت القاهرة

"المجاهد" فضل شاكر ورحلة العودة عن التوبة

حليق الذقن، حسن الهندام، هادئا وخلفه عوده الموسيقي..


هكذا ظهر "المجاهد" السابق والفنان العائد فضل شاكر، معلنا إنهاء "توبته"، التي سبق وأشهرها قبل عامين، مُظهرا رغبته في العودة إلى حياته السابقة، أي الحياة التي تنكّر لها، واعتزلها حين التحق بشيخه آنذاك "أحمد الأسير" وجماعته سبيلا لدعم أهل "السنة" في حربهم في سوريا ولبنان على ما قال.


وكما لم يكن عسيرا البحث في سيرة فضل شاكر، وكيف أفضت به من فنان عاطفي عذب الصوت والكلام إلى منشد متشدد يتحدث بنزق وعصبية، فلن يكون صعبًا أن تكشف لنا الأيام المقبلة حقيقة الانتكاسة التي أصابت "إيمان" الرجل وتراجعه عن السير في طريق الشيوخ والمقاتلين.


لكن وفيما نحن نتابع ذاك الفصل التشويقي الجديد من حكاية هذا المغني المجاهد، نحتاج أن نعود سنوات في محاولة فهم هذا الانقلاب في المسار، فحين انتقل فضل شاكر من ضفة الغناء والنجومية إلى ضفة التشدد والقتال والشحن المذهبي، بدا وكأنّ ماضيه وصمة طاردته، فالفتى الفقير الذي ولد في العام 1969 نشأ في ذروة الحرب الأهلية في لبنان في ميتم في واحد من الأحزمة المحيطة بالمخيمات الفلسطينية في مدينة صيدا.


وبدأ غناؤه في هذا الميتم وفي أعراس المخيمات. ذاع صيته لكن قبل أن يصل إلى الشهرة تخلل سيرته محطات تشدد لم يكن هو مباشرة عنصرا فيها لكنه عاش في فُلكها. فمن نشأة صيداوية فلسطينية لبنانية مختلطة في محيط مخيم عين الحلوة المضطرب أمنيا واجتماعيا إلى سيرة شقيق قاتل مع الجماعة الاسلامية في الثمانينيات إلى أقرباء آخرين له انخرطوا في تنظيمات مماثلة.


بدا تحول فضل شاكر إلى شخص متشدد يحمل سلاحا ويغني أناشيد ويتفوه بعبارات مقيتة امتداداً منطقيا في سيرة الرجل، خصوصا أن هذا التحول الدرامي حصل في ذروة احتقان طائفي في لبنان، حيث تضعضعت القيم السياسية والأخلاقية في البلد. ويبدو أن فضل شاكر لم يكن يملك الحصانة الكافية كي لا يقع في أفخاخ الانقسام المذهبي بما فيه من سقطات شعورية ومسلكية، وهو بدا ضعيفا أيضا حيال موجات الأسلمة المتشددة التي ضربت في المنطقة ومعها لبنان.


اختفى فضل شاكر لعامين ثم عاد متنصلا من الصورة التي اقترنت به في فترة "توبته" حين أكثر من الظهور بذقنه الطويلة الكثة، يحمل سلاحا ويغني أناشيد، ويحتفي بسقوط قتلى سواء للجيش اللبناني أو لحزب الله.


ها هو اليوم يعود إلى ملابسه الأنيقة ويهذب من كلامه وهيأته شاقا طريق عودته.. وكما انقسم اللبنانيون وانشغلوا بتحول النجم "الحنون" إلى التشدد، هاهم اليوم ينقسمون أيضا حيال عودته واحتمالات تسوية فعلية في ملفه القضائي.


هل شارك فضل شاكر في القتال ضد الجيش اللبناني في صيدا قبل عامين، أم أنه فقط اكتفى بعراضاته المتلفزة حينها وشتائمه ونعوته الطائفية. وهل يحق له أن يجري مقابلات أو أن تفسح له قنوات تلفزيونية ووسائل إعلامية مساحات ليعبر فيها عن رأيه. 


تلك هي النقاط التي دارت حولها التعليقات والسجالات اللبنانية وحتى العربية المهتمة بالرجل .. نعم يحق لصحافي أن يجري مقابلة مع فضل شاكر. هذا الأمر لطالما أقدمت عليه كبرى وسائل الإعلام في العالم مع مطلوبين أخطر بما لا يقاس، وبالتالي لا يشكل الظهور الإعلامي مشكلة بقدر ما قد تشكل التسويات السياسية انتكاسة جديدة في القضاء.


فالقول بتسوية قضائية فيه إهانة للقضاء اللبناني وليس لفضل شاكر. وانتقاد تورط القضاء أن حصل لا يعني أن فضل شاكر يجب أن لا يخضع لمحاكمة عادلة تكشف مستوى تورطه في أعمال خارجة عن القانون.


تسليم شاكر نفسه خطوة إيجابية من دون شك، وهي مدخل لفتح ملف لم يعالج على نحو جدي بعد. فالتبدلات في سيرة فضل شاكر لم تصل إلى نهايتها، ويبدو أن فصولا جديدة سنشهدها في الفترة المقبلة.


فضل شاكر، وبعد أن امتشق رشاشا واحتفى بـ"فطائس" خصومه، هاهو اليوم يشهر عوده في وجهنا، مذكرا إيانا بأنه هو نفسه صاحب الصوت الحنون الذي فاض الهيام في أغانيه وألحانه، وهو اليوم اكتفى من "الجهاد" والاختفاء واختار أن يعود إلى ضلال الحياة وفتنتها.